[المسألة الخامسة: ذكر أقوال الفرق في الإيمان]

[المسألة الخامسة] :

الإيمان يجمع:

- أولاً: الاعتقاد بالقلب، وهو الذي يسميه المرجئة -مرجئة الفقهاء- أو يسميه العامة التصديق.

- ثانياً: قول اللسان.

- ثالثاً: عمل الجوارح والأركان.

- رابعاً: الزيادة.

- خامساً: النقصان.

هذه خمسة أشياء فيها اختلف المنتسبون إلى القبلة على أقوال:

1- القول الأول:

هو أنَّ الإيمان تصديقٌ فقط، وهذا هو قول جمهور الأشاعرة، وهو أيضاً قول أبي منصور الماتريدي والماتريدية بعامة.

وهذا مبنيٌ منهم على أنَّ القول ينشأ عن التصديق، وعلى أنَّ العمل ينشأ عن التصديق، فَنَظَرُوا إلى أصله في اللغة بحَسَبِ ظنهم، وإلى ما يترتّب عليه فجعلوه التصديق فقط.

واستدلوا له بعدة أدلة مما فيه أنّ الإيمان تصديق كقوله {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة:285] ، وهذه أمور غيبية والإيمان بها يعني التصديق بها، وغير ذلك من الأدلة التي فيها حَصْرْ الإيمان بالغيبيات، والإيمان بالغيبيات يُفْهَمْ على أنه التصديق.

وهؤلاء يُسَمَّونَ المرجئة، وهم المشهورون بهذا الاسم.

ومن المرجئة طائفة غالية جداً وهم الذين جعلوا الإيمان ليس التصديق بالقلب ولكن هو المعرفة بالقلب، وهو القول المنسوب إلى الجهمية وغلاة الصوفية كابن عربي ونحوِهِ ممن صَنَّفُوا في إيمان فرعون.

2- القول الثاني:

من قال إنَّ الإيمان قول باللسان فقط، وهؤلاء يُسَمَّونَ الكَرَّامِيَّة -بالتشديد-.

الكَرَّامِيَّة يُنْسَبونَ إلى محمد بن كرّام، وهذا يقول: الإيمان هو الإقرار باللسان.

لم؟

قال لأنَّ الله - عز وجل - جَعَلَ المنافقين مخاطَبِينَ باسم الإيمان في آيات القرآن، فإذا نودي المؤمنون في القرآن فيدخُلُ في الخطاب أهل النّفاق، والمنافقون إنما أقرُّوا بلسانهم ولم يصدِّقُوا بقلوبهم فدخلوا في اسم الإيمان لهذا الأمر.

3- القول الثالث:

هو مذهب مرجئة الفقهاء الذين قالوا: إنَّ الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان. وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، إقرارٌ باللسان وتصديق بالجنان، ويجعلونَ أنَّ الناس في التصديق -كما سيأتي- وفي أعمال القلوب أنهم واحد، فأعمال القلوب التي أصلها التصديق عندهم شيءٌ واحد، والعمل ليس من الإيمان عندهم يعني من حقيقة الإيمان وإن كان لا بد منه في تحقيق الإيمان، بخلاف أهل القولين السابقين يعني الماتريدية (?) .

: [[الشريط الثلاثون]] :

والأشاعرة والكرامية فإنهم يقولون أنَّهُ لو وَافَى بلا عمل فإنه ناجٍ، لو لم يعمل قط فإنه ينجو.

وأما مرجئة الفقهاء فيقولون لابُدَّ لَهُ مِنَ العمل فإذا ترك العمل فهو فاسقٌ، لكن [لا] (?) يُدْخِلُونَهُ في مُسَمَّى الإيمان.

وأظن شبهتهم نَصْ أبي حنيفة في هذه المسألة وهو بَنَاهُ على أنَّ الذين خُوطِبُوا بالإيمان هم المؤمنون والمنافقون، والمنافقون ليس لهم عمل، عَمَلُهُم باطل، وإنما أَقَرُّوا باللسان فقط، والمؤمنون مُصَدِّقُونَ مُقِرُّونْ، فَجَمَعَ لهم ما بين -يعني بين الطائفتين- ما بين الإقرار باللسان والتصديق بالجنان؛ يعني في الخطاب الظاهر، وأما الأعمال فالحساب عليها آخر.

ومن أدلّتهم الأصل اللغوي الذي هو حَسَبْ ما قالوا أنَّ الإيمان هو التصديق، والإقرار أُخِذَ من زيادة في الشريعة لأنه لابد من قول لا إله إلا الله محمد رسول الله.

4- القول الرابع:

هو قول الخوارج والمعتزلة وهو أنَّ الإيمان: اعتقادْ بالجنان أو تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالجوارح.

وهذا العمل عندهم بِكُلِّ مأمورٍ به، والانتهاء عن كلِّ منهيٍّ عنه.

فما أُمرِ َبه وُجُوبًا فيدخل في مسمى الإيمان بِمُفْرَدِهِ، وما نُهِيَ عنه تحريماً فيدخل في مسمَّى الإيمان بمفرده.

يعني أنَّ كلَّ واجبٍ يدخل في مسمى الإيمان على حِدَهْ، فيكون جزءاً وركناً في الإيمان، وكُلُّ محرمٍ في الانتهاء عنه يدخل في مسمى الإيمان بمفرده.

وبناءً على ذلك قالوا: فإذا تَرَكَ واجباً فإنه يكفر، وإذا فعل محرماً من الكبائر فإنه يكفر؛ لأنَّ جزء الإيمان وركن الإيمان ذَهَبْ.

فعندهم أنَّ هذا العمل جزء واحد، إذا فُقِدَ بعضه فُقِدَ جميعه.

وبين الخوارج والمعتزلة خلاف فيمن استحق النار بالآخرة ماذا يسمى في الدنيا؟

على القول المعروف عندهم:

- وهو عند الخوارج في الدنيا عند يُسَمَّى كافر.

- وعند المعتزلة هو في منزلة بين المنزلتين لا يقال مؤمن ولا يقال كافر.

مع اتفاقهم على أنه في النار مخلدْ فيها لانتفاء الإيمان في حقه.

5- القول الخامس:

هو قول أهل الحديث والأثر وقول صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أنَّ الإيمان:

اعتقاد -ومن الاعتقاد التصديق-، وقول باللسان وهو إعلان لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعمل بالأركانـ وأنه يزيد وينقص.

ويعنون بالعمل جنس العمل؛ يعني أنْ يكون عنده جنس طاعة وعمل لله - عز وجل -.

فالعمل عندهم الذي هو ركن الإيمان ليس شيئاً واحداً إذا ذَهَبَ بعضه ذهَبَ جميعه أو إذا وُجِدَ بعضه وُجد جميعه؛ بل هذا العمل مُرَكَّبٌ من أشياء كثيرة، لابد من وجود جنس العمل.

وهل هذا العمل الصلاة؟ أو هو أيُّ عملٍ من الأعمال الصالحة بامتثال الواجب طاعةً وترك المحرم طاعةً؟

هذا ثَمَّ خلافٌ بين علماء الملة في المسألة المعروفة بتكفير تارك الصلاة تهاونا أو كسلاً.

* الفرق ما بين مذهب أهل السنة والجماعة وما بين مذهب الخوارج والمعتزلة:

- أنَّ أولئك جعلوا تَرْكَ أي عمل واجب أو فعل أي عمل محرّم فإنه ينتفي عنه اسم الإيمان.

- وأهل السنة قالوا: العمل ركن وجزءٌ من الماهية؛ لكن هذا العمل أبعاض ويتفاوت وأجزاء، إذا فات بعضه أو ذهب جزء منه فإنه لا يذهب كله.

فيكون المراد من الاشتراط جنس العمل؛ يعني أن يُوجَدَ منه عملٌ صالح ظاهراً بأركانه وجوارحه، يدلُّ على أنَّ تصديقه الباطن وعمل القلب الباطن على أنه استسلم به ظاهراً.

وهذا مُتَّصِلٌ بمسألة الإيمان والإسلام، فإنه لا يُتَصَوَّرْ وجود إسلام ظاهر بلا إيمان، كما أنه لا يُتَصَوَّرْ وجود إيمان باطن بلا نوع استسلام لله - عز وجل - بالانقياد له بنوع طاعةٍ ظاهراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015