وقد وصف الله - عز وجل - بعض عباده بقوله {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (*) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} (?) ، هذا الاستدراج يُحدِثُ الأمن، وما عُذِّبَتْ أمة إلا وقد أَمِنَتْ؛ لأنَّ الله - عز وجل - يبلوهم بالخيرات ويبلوهم بالسيئات ويبلوهم بالشر والخير فتنة ثُمَّ هم لا يتوبون ولا هم يَذَّكَّرُون.
فإذا وقع منهم الأمن وقعت عليهم العقوبة، نسأل الله - عز وجل - لنا ولإخواننا العفو والعافية.
فهذا ضابط المسألة. (وَسَبِيلُ الْحَقِّ بَيْنَهُمَا لِأَهْلِ الْقِبْلَةِ) .
إذا تبين ذلك، فالواجب على كل مُوَحِّدْ، كل مؤمن: أن يُعَظِّمَ في قلبه جانب الخوف من الله - عز وجل -.
فلا يُفْلِحْ مَنْ أمِنَ الله على نفسه طرفة عين، الله - عز وجل - يُقَلِّبُ القلوب ويقلب الأبصار، وقال في وَصْفْ الأولين {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110] .
يرى العبد أنَّ الخيرات تنفتح عليه وهم مُقِيم على الذنوب وهو مقيم على المعاصي وهو مقيم على الكبائر، سواء كان العبد فرداً أم كان مجتمعاً.
بنوا إسرائيل ادَّعَوا أنهم أحباب الله - عز وجل - وأنهم أبناؤه وأنه لا يُعَذِّبُهُم ولو حصل لهم تعذيب فإنما تمسهم النار أياماً معدودة، والله - عز وجل - عاقَبَ بني إسرائيل العقوبة العظيمة ولَعَنَهُم حيث قال سبحانه في سورة المائدة {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78-79] ، الآيات.
فالواجب إذاً على المُوَحِّدْ أن يخاف ذنبه ولا ييأس من رَوْحِ الله.
كل أحد يُذنِبْ ولكن إذا أَذْنَبَ استغفر.
يخاف ذنبه ويخشى أنَّ الله - عز وجل - لم يقبل توبته، لم يقبل حوبته، لم يقبل إنابته، يرجو رحمة الله - عز وجل - ويخاف ذنوبه.
فما اجتمع هذان في قلب أحد إلا ونجا، وهو رجاء الرحمة وخوف الذنوب.
وهذا هو سبيل الحق الذي هو بين الأمن الإياس لأهل القبلة.
أسأل الله - عز وجل - أن يجعلني وإياكم من الرّاغبين الرّاهبين الخاشعين، وأن يجنبنا الأمن كما أسأله أن يجنّبنا الإياس فإنه سبحانه على كل شيء قدير.