[المسألة السابعة] :
قوله (مَا لَمْ يَسْتَحِلَّهُ) الاستحلال معه يكون مرتكب الكبيرة كافراً.
والاستحلال هو اعتقاد كون هذا الفعل حَلَالاً.
قال ابن تيمية رحمه الله في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم:
والاستحلال أن يعتقد أنَّ الله جَعَلَهُ حَلَالاً أو أَنَّ الله لم يحرمه.
فإذا اعتقد أنَّ هذا الشيء حلال، أو أنَّ الله لم يُحَرِّمْ هذا سواءٌ كان حلالاً على الأمة جميعا أو حلالاً عليه هو، وسواءٌ كان عدم التحريم على الجميع أو عليه هو -لأنها صورتان- فإنَّ هذا هو الاستحلال.
فإذاً ضابط الاستحلال المُكَفِّرْ هو الاعتقاد وذلك أنّ الإستحلال فيه جحد لكون هذا الذنب مُحَرَّمَّاً، لأنه إذا قال (?) الخمر حلال فإنَّهُ جَحَدَ تحريمها.
ويأتي الصلة ما بين الجحد والتكذيب والاستحلال في المسألة التي تليها إن شاء الله تعالى.
فإذاً ضابط الاستحلال المُكَفِّرْ أن يعتقد كون هذا المحرم حلالاً وله صورتان:
1- الصورة الأولى: أن يعتقد كونه حلالاً له دون غيره، وهذه تسمى الامتناع.
2- الصورة الثانية: أن يعتقد كونه حلالاً مطلقاً له ولغيره، وهذه تسمى التكذيب أو الحجد المطلق.
* فالاستحلال المكفِّر هو الاستحلال بالاعتقاد.
قال بعض أهل العلم: وأمَّا ما جاء في حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري الذي في البخاري مُعَلَّقَاً بل موصولاً، وهو قوله صلى الله عليه وسلم «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ -يعني الزنا- والحرير والخمر والمعازف» (?) ، هل هذا الاستحلال من الاستحلال العملي أو الاستحلال المكفّر؟
قال طائفة -كما ذكرتُ لك وهو ظاهر-: أنَّ هذا الاستحلال عملي وليس باعتقاد كون هذه الأشياء حلالاً:
- فلم يُخْرِجْهُمْ من الإيمان إلى الكفر.
- ولم يُخْرِجْهُمْ من كونهم من هذه الأمة لقوله «ليكونن من أمتي» فجعلهم بعض هذه الأمة.
وهذا يُلْمِعُ إليه كلام ابن تيمية وكذلك للحافظ ابن حجر ولجماعة.
وهو ظاهِرْ في أنَّ المدمن للذنوب يكونُ فِعْلُهُ فِعْلَ المُسْتَحِلْ؛ لكن ليس اعتقاده اعتقاد المُسْتَحِلْ.
فقال «يستحلُّون» يعني يستحلون عَمَلَاً لا اعتقاداً لأجل ملازمتهم لها وإدمانهم لهذه الذنوب.
فضابط الكفر في الاستحلال الذي ذَكَرَهُ هنا (مَا لَمْ يَسْتَحِلَّهُ) يعني ما لم يعتقد أنَّ الله لم يُحَرِّمْ هذا، أو أنَّ الله أباح هذا، أو أنَّ هذا الأمر حلال، أو ليس بحرام إلى آخره.
* وهذا القَدْرْ له ضابط أصلي عام وهو:
أنَّ الذي يَنْفَعُ فيه ضابط الاستحلال هي الذنوب المُجْمَعْ على تحريمها، المعلومة من الدين بالضرورة.
أما إذا كان الذنب مُخْتَلَفَاً فيه إما في أصله أو في صورة من صوره فإنه لا يُكَفَّرُ من اعْتَقَدَ حِلَّ هذا الأصل المُخْتَلَفْ فيه يعني في أصله أو الصورة المختلف فيها.
يُوَضِّحْ ذلك النبيذ الذي أباحه طائفة من التابعين من أهل الكوفة وأَبَاحَهُ طائفة من الحنفية أو من أباح ما أسْكَرَ كثيره ولم يسكر قليله، فإنَّ أهل العلم من أهل السنة لم يُكَفِّرُوا الحنفية الذين قالوا بهذا القول وكذلك لم يُكَفِّرُوا من قال به من أهل الكوفة أو غيرهم.
وكذلك من لم يقل بتحريم رِبَا الفضل لأنه فيه اختلاف، وكذلك بعض صور الربا، وكذلك بعض مسائل النظر إلى المحرمات يعني إلى الأجنبيات أو إلى الغلمان ونحو ذلك.
فإذا كان هناك أصلٌ مُجْمَعٌ على تحريمه معلومْ من الدين بالضرورة -بالضرورة يعني ما لا يُحْتَاجْ معه إلى الاستدلال- فإننا نقول:
من اعتقد إباحة هذا أو حِلَّهُ فإنه يكفر.
مثل الخمر المعروفة يعني في زمن النبي صلى الله عليه وسلم التي تُسْكِرُ من شَرِبَهَا؛ تخامر عقله، مثل السرقة، مثل الزنا والعياذ بالله، مثل نكاح ذوات المحارم إلى آخر هذه الصّور.