الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

الأسئلة:

س1/ كيف نجمع بين حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى إِنْ شِئْتَ، ارْحَمْنِى إِنْ شِئْتَ، ارْزُقْنِى إِنْ شِئْتَ، وَلْيَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ، إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، لاَ مُكْرِهَ لَهُ» (?) وبين حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده فقال «لاَ بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ الله» (?) قال قال الأعرابي: طهور؛ بل هي حمى تفور على شيخ كبير تُزِيرُهُ القبور، قال النبي صلى الله عليه وسلم «فَنَعَمْ إِذاً» ؟

ج/ الحديثان المذكوران كلاهما في الصحيح، والعلماء جمعوا بينهما بأوجهٍ من الجمع:

- من أحسنها أنَّ قوله صلى الله عليه وسلم «طَهُورٌ إِنْ شَاءَ الله) هذا من باب الخبر لا من باب الدعاء، فهو قال للأعرابي هذه الحمى طهور لك؛ طهور لك في دينك وطهور لك أيضا في بدنك فتصبح بعدها سالما، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.

لأنَّ قوله (طهورٌ) مرفوع، والرافع له مبتدأ محذوف أو الابتداء المحذوف بقوله (هي طهور إن شاء الله) وليس المراد الدعاء لأنه لو كان دعاءً لصارت منصوبة اللهم اجعلها طهوراً.

لو قال: طهوراً إن شاء الله؛ يعني: اجعلها اللهم طهوراً، فيكون دعاء.

فالظاهر من السياق من اللغة ومن القصة أنَّ المراد الخبر.

فإذا كان المراد الخبر فلا يعارض الدعاء بقول القائل اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عَلَّقَ الخبر بالمشيئة فقال «طَهُورٌ إِنْ شَاءَ الله» ، كما قال - عز وجل - {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح:27] ، وكقوله - عز وجل - {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} [يوسف:99] ، فقوله اغفر لي إن شئت، هذا تعليق للدعاء بالمشيئة، والله - عز وجل - لا مُسْتَكْرِهَ له يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد في خلقه - جل جلاله -.

- الوجه الثاني وهو وجه حسن أيضاً أنَّ قول الداعي: اللهم اغفر لي إن شئت هذا على جهة المخاطبة، اغفر لي إن شئت.

وأما إذا كان على جهة الغَيْبَةْ فإنه لا بأس به، فلو قال غَفَرَ الله له إن شاء الله، هذا أخف من التعليق بالمواجهة اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت.

لأنَّ المخاطبة تقتضي الذل والتقرب إلى الله - جل جلاله - بما يحبه من نعوت جلاله وصفاته ومدحه سبحانه والثناء عليه.

والتعليق بالمشيئة فيه نوع استغناء، فلهذا قال في آخره «إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، لاَ مُكْرِهَ لَهُ» وقال «إن الله لا مستكره له» .

وهذا الوجه الثاني قال به بعض أهل العلم ولكنه ليس في القوة كالأول فالأول ظاهر، والثاني قيل به وليس هو المختار.

س2/ هل تعدد الجماعات مثل تعدد الآراء في المسألة الفقهية الواحدة؟

ج/ إذا كان يقصد بالجماعات الجماعات الإسلامية التي ظهرت في هذا الزّمن فليس ذلك مثل تعدد الآراء في المسألة الفقهية الواحدة؛ لأنَّ تعدد الآراء في المسألة الفقهية الواحدة هذا إذا كان مورده الاجتهاد فإنَّ كل واحد من القائلين بالمسألة الفقهية يؤجر على اجتهاده فيما اجتهد فيه؛ لأنَّ المسألة موردها الاجتهاد.

كذلك في المسائل التي ينزع فيها المجتهد إلى دليل هو مأجور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد (?) » يعني أجر على اجتهاده، والثاني له أجر على اجتهاده وأجر على إصابته الحق.

وأما الجماعات الإسلامية الموجودة الآن فهي تختلف في طريقتها وتختلف في أصولها وتختلف في مبادئها وأهدافها إلى آخر ذلك، والأصل الواجب على كل مسلم أن يلزمه هو لزوم جماعة المسلمين قبل أن يَحدث الافتراق، فإنَّ الافتراق الحادث في الأمة لا يجوز إقراره ومعالجته بإحداث جماعات جديدة، فالواجب على المسلمين جميعا لزوم الجماعة قبل أن تفسد الجماعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015