[المسألة الأولى] :
الخوض في ذات الله محرمة، وكذلك التفكر في ذات الله أيضاً منهيٌّ عنه.
لكن المأمور به أن يُفَكِّرْ المرء في آلاء الله - عز وجل -.
قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «تفكّروا في آلاء الله، ولا تفكروا في ذات الله فتهلكوا» (?) .
فالمأمور به العبد أن يتفكّر في آلاء الله، وآلاء الله - عز وجل - يعني في آياته.
آيات الله - عز وجل - نوعان:
- آيات مرئية وهي ملكوته في السموات وفي الأرض وما خَلًقً الله من شيء.
- وآيات متلوة وهي القرآن.
فمن تفكر في آلاء الله دلَّهُ على عِظَمِ ربه - عز وجل - وأصابه طمأنينة وسكينة وخشوع وخضوع للرب - عز وجل -.
لهذا أمرنا ربنا سبحانه بالتفكر في آلائه وملكوته وآياته، قال سبحانه {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران:190-191] ، وقال سبحانه {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا} (?) وقال سبحانه أيضا {قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101] ، وقال - عز وجل - {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبإ:46] ، تقف هنا {مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} [سبإ:46] ، والنبي صلى الله عليه وسلم حُبِّبَ إليه الخلاء، حُبِّبَ إليه أن يدخل غار حراء ويمكث فيه الليالي ذوات العدد يَتَحَنَّثْ ويتأمل في ملكوت الله - عز وجل -.
وهذا يُحدِثْ من حقائق الإيمان في النفس ومن الارتباط والذل لله - عز وجل - ما يُحدث.
ولهذا كان من هدي السلف رضوان الله عليهم قلة الكلام والتفكّر في آلاء الله - عز وجل -.
قالت أم الدرداء في وصف زوجها أبي الدرداء (كانت أكثر عبادة أبي الدرداء التفكّر) (?) .
وكان الحسن البصري رحمه الله يقول (عاملنا القلوب بالتفكر فأورثها التَذَكُرْ، فرجعنا بالتَذَكُرْ على التفكر وحركنا القلوب بهما، فإذا القلوب لها أسماع وأبصار) (?) .
هذه كلمة عظيمة، الناس قلوبهم مُضْغَة كلها تتحرك وتقذف الدم؛ ولكن القلب الحي {لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا} [يس:70] ، صاحب القلب الحي هذا يكون قلبه له سمع وبصر؛ يعني يرى أشياء ويتفرس في الأشياء ويكون له مرئيات، يرى ما لا يراه الآخرون.
قال (عاملنا القلوب بالتفكر) ، التفكر في آلاء الله، وليس التفكر في الله ولا في ذات الله إنما التفكر في آلاء الله - عز وجل -، فيما خلق، في آياته التي أعطاها المرسلين، في آياته المتلوة، القرآن إلى آخره، يعني في المنظورة والمقروءة.
(فأورثها التَذَكُرْ) ؛ يعني تَذَكَرْ العبد، إذا تفكر وخلا بنفسه فإنه سيتذكر؛ لكن تَذَكُرُهُ سيكون ضعيفاً؛ لأنه بدايات التذكر بعد التفكر.
قال (فرجعنا) -هو يحكي حال السلف الحسن البصري يقول (عاملنا) يعني السلف يعني طبقة التابعين-
قال (فرجعنا بالتَذَكُرْ) هذا الذي تذكرناه وصار في القلب نوع حياة رجعنا به على التَفَكُرْ، تَفَكَّرْنَا من جديد، نظرنا في الملكوت، في آلاء الله، في تصرف الله - عز وجل - في خلقه، في آيات الله في القرآن.
(فرجعنا بالتذكر على التفكر وحركنا القلوب بهما) ، يعني مرة ورا مرة، هذا تذكر بعد تفكر، تذكر بعد تفكر، يبقى العبد في الإيمان.
قال (فإذا القلوب لها أسماع وأبصار) ، ينفتح القلب من معارف الله - عز وجل - ومن الأُنْسِ به ومن لذة مناجاته ومن إيثار ما عنده على ما في هذه العاجلة، وعلى إيثار مَحَابِّهِ - جل جلاله - على أهواء النفس ما لا يدركه إلا من وفّقه الله - جل جلاله -.
لهذا قال (وَلَا نَخُوضُ فِي اللَّهِ) سمة أهل السنة والجماعة أنهم لا يخوضون في الله، ولا يخوضون في صفات الله وإنما يذكرون ما دَلَّ عليه الكتاب والسنة ويُعَلِّمُونَ ذلك، وإنما المهم العمل، المهم هذا القلب أن يكون صالحاً، أن يكون خاشعاً لله، منيبا لله - جل جلاله -، ولهذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله» (?) ، وقال في السبعة الذين يظلهم الله في ظلهم «ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» (?) .