[المسألة الثانية: أن إرداة الله موافقة للحكمة وأما إرادة العبد فقد توافق الحكمة وقد لا توافقها]

[المسألة الثانية] :

أن قوله (ولا يكونُ إلا ما يُريدُ) فيه تداخل ما بين إرادة الله - عز وجل - وإرادة العبد.

وإرادة العبد هي مشيئته، وهي خارجة عن رؤية الحكمة.

وأما إرادة الله - عز وجل - الكونية فهي منظور فيها بالحكمة.

فالله سبحانه يريد بما يوافق الحكمة، والعبد يريد ما لا يوافق الحكمة وقد يريد ما يوافق الحكمة.

وإذا كان كذلك فإرادة الله - عز وجل - بالعبد موافقة للحكمة سواء تَعَلَّقَتْ بالمعين أو تَعَلَّقَتْ بالمجموع.

وهذا يعني أنّ إرادة العبد فيما يريده خارجة عن مقتضى حكمة الله - عز وجل -؛ إذا أراد شيئا في نفسه له - يعني له بخصوصه -.

والله - عز وجل - يريد من العبد ما يوافق حكمته، فقد تجتمع الإرادتان فيما فيه حِكمَةٌ لله - عز وجل -، وقد تختلف الإرادتان فيما كان يريده العبد ولا يوافق حكمة الله - عز وجل -.

وهذا يعني أنَّ العبد قد يتجه بإرادته إلى شيء فيُصرَفُ عنه لعدم موافقته لحكمة الله - عز وجل - في نفسه؛ يعني فيما يتعلق بالعبد أو فيما يتعلق بالمجموع.

والله - عز وجل - قد يريد الشيء كوناً، ولا يكون إلا ما يريد لموافقته للحكمة في خصوص العبد في نفسه، أو ظهور الحكمة في نفسه أو لظهور الحكمة في المجموع- يعني في غيره -.

ولهذا نقول ما من شيء يريده الله سبحانه وتعالى في ملكوته إلا وهو موافق للحكمة، والشر ليس إلى الله - عز وجل -؛ بل الله سبحانه لا يوصف أو لا يضاف إليه إلا الخير.

وأما العبد فقد يريد الشيء ويكون بالنسبة له شراً فيخرج من هذه الجهة عن كونه موافقا للحكمة -يعني حكمة العبد ومصلحته-، ولكنه بالنسبة لفعل الله - عز وجل - وإرادته يوافق الحكمة التي هي منظور فيها إلى المجموع.

وهذا يعني أنَّ إرادة الله - عز وجل - في ملكه إنما تكون على وفق الحكمة، وحكمة الله هي القاضية لهذه الأشياء جميعا في الإرادات.

وهذا فيه رد على طوائف كثيرة من المبتدعة في مسائل القدر يأتي بيانها مفصلاً إن شاء الله في موضعها في تعريف الظلم والعدل، وفي التحسين والتقبيح، وفي أيضا الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، وفي وقوع المعصية ووقوع الكفر، وفي فعل العبد بنفسه.

وهذه مسائل كبيرة تحتاج إلى بيان وتفصيل في موضعها.

المقصود من ذلك أنّ قوله (لا يكونُ إلا ما يُريدُ) هذا موافق لما -أو تضيف عليها عبارة- أنّ ما يريده موافق لمقتضى الحكمة المطلقة سواء وافقت العبد المعين أو وافقت المجموع.

فالله سبحانه الشر ليس إليه كما وصفه به النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله في الدعاء (وَالشّرّ لَيْسَ إِلَيْكَ) (?) ففعله سبحانه خير محض، وقد يأذن بالشر المضاف إلى العبد، ولا يكون شرا بالنسبة لإرادته سبحانه، فالله لا يريد ظلما للعباد، ولا يريد شرا بالعباد، وإنما العباد أرادوا ذلك بأنفسهم، وإذا وقع ذلك فإنما يقع بالإضافة إلى فعل العباد، وليس مضافا إلى الله سبحانه لأنّ فعله سبحانه خير محض.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015