: [[الشريط العشرون]] :
الحمد لله حق الحمد وأوفاه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله ومصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
س1/ هل النبي صلى الله عليه وسلم يُحَبُّ لذاته لأنَّ ذاته حميدة، أم يُحَبُّ في الله - عز وجل - لما اتصف بالنبوة والرسالة؟
ج/ هذا سؤال جيد، ونبينا صلى الله عليه وسلم جَمَعَ من الأوصاف والعِلَلْ والأسباب التي لأجلها يُحِبُّ المُحِبْ من أحب، جَمَعَ كل الأسباب والأوصاف، فهو صلى الله عليه وسلم يُحَبُّ من كل جهة:
- يُحَبْ لله - عز وجل - لأنَّ الله - عز وجل - أمر بحبه صلى الله عليه وسلم.
- ويُحَبْ لأنَّ الله - عز وجل - اصطفاه وفَضَّلَهُ وجعله رسولاً ورحمةً للعالمين.
- ويُحَبْ صلى الله عليه وسلم لأنَّ الله خَصَّهُ بالقرآن خَصَّهُ بالآيات والبراهين، خَصَّهُ بما لم يخصّ به الأنبياء والرسل.
- ويُحَبْ صلى الله عليه وسلم لأجل جهاده في الله حق الجهاد ونصحه لهذه الأمة وتبليغه رسالة ربه - جل جلاله -.
- ويُحَبْ ّ صلى الله عليه وسلم لعِظَمِ إحسانه لكل أحد، فما من أحد إلا وهو قد أحسن إليه صلى الله عليه وسلم أيما إحسان، وإذا كان الناس فيما بينهم يحبون من أحسن إليهم كما قال شاعرهم:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ (?)
فنبينا صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ أيَّمَا إحسان وأفاض على هذه الأمة من إحسانه وفضله صلى الله عليه وسلم بما بلغ من رسالة ربه واهتدى بهدي ربه - عز وجل -، فيُحَبُّ لذلك أعظم المحبة صلى الله عليه وسلم، فلولا أنَّ الله - عز وجل - مَنَّ علينا ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم ثُمَّ باتِّبَاعِهِ لكنا من الهالكين، فنبينا صلى الله عليه وسلم يُحَبْ لما في عنق كلّ أحد من هذه الأمة له صلى الله عليه وسلم من المنّة، فمنّته صلى الله عليه وسلم على كل أحد، ولهذا جعل الله - عز وجل - من جميل ثوابه لنبيه أنّ له مثل أجور أمته، فكل من عمل عملاً صالحا من الإيمان وشُعَبِه، فله صلى الله عليه وسلم مثل أجره، والناس يُحِبُّونَ أيضاً لأنواع الصفات، فَيُحِبُّ المحب فلاناً لكرمه، ويُحِبُّ المحب فلاناً لخلقه ولشجاعته ولإمامته ولفتواه ولحكمه ولحسن تعامله ولأشياء كثيرة من الخلال والأوصاف ولتعامله مع أهله ولكماله في صفاته وأخلاقه وسجاياه.
والنبي صلى الله عليه وسلم إذا نظرنا إلى كل جهة من هذه الجهات فإنه يُحَبْ عليها صلى الله عليه وسلم.
ولكن مع هذا كله فإن القاعدة عند أهل العلم من أهل السنة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم محبته ليست استقلالاً ولكن تبعٌ لمحبة الله - عز وجل -، وهذا يعظّم شأن نبينا صلى الله عليه وسلم.
ففي الحقيقة من تأمل ذلك حق التأمل فإنه يحبه صلى الله عليه وسلم، وبرهان المحبة قوله - عز وجل - {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31] ، وقد قال الشاعر في معرض كلام له لمَّا ذكر بعض الصفات التي ينبغي أن يتحلّى بها من يعظ الناس قال:
لو كان حبك صادقاً لأطعته إنَّ المحبّ لمن يحبّ مطيع
فالمحبة للنبي صلى الله عليه وسلم ليست تراتيل تُنْشَد ولا أشعار يُتَباهى بها وليست هي قلادة يَتَزَيَّنْ بها من يَتَزَيَّنْ دون إتباع لسنته صلى الله عليه وسلم، فحقيقة المحبة لمن أحب أنَّهُ يَتَّبِعْ سنة هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فهو الرسول المصطفى والخليل المُجتبى الذي أرسله الله - عز وجل - بالهدى، فطاعته صلى الله عليه وسلم أول ثمرات محبته صلى الله عليه وسلم، لهذا إذا عظمت المحبة فإنَّ الطاعة تكون أعظم، لهذا قال من قال من السلف (لهذا لما كَثُرَ الأدعياء طُولبوا بالبرهان {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ} ) .
وقال آخر (ليس الشأن أن تُحِبَّ ولكن الشأن أن تُحَبْ) (?)
فليس الشأن أن تُحِبَ النبي صلى الله عليه وسلم ولكن الشأن أن يحبك النبي صلى الله عليه وسلم، ليس الشأن أن تُحِبَّ الله - عز وجل - ولكن الشأن أن يحبك الله - جل جلاله -، والله - عز وجل - لا يحب إلا أهل توحيده والإنابة إليه وخلع الأنداد والشرك؛ الذين يحبون نبيه صلى الله عليه وسلم ويحققون معنى الشهادة له لأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
س2/ في قوله تعالى {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان:34] ، البعض يقول إنَّ الله - عز وجل - لم يقل وما تدري نفس ماذا تعمل غداً؛ لأنَّ الإنسان قد يعلم ماذا يعمل إذاً فَعَلَى هذا يقولون إنَّ الكسب لا يعني العمل فما هو القول الصحيح في تفسير هذه الآية؟