س1/ إنَّ من ضابط الكبيرة ما تُوُعِّدَ فيه بنفي الإيمان، فهل كل نَصٍ نُفِيَ فيه الإيمان دالٌّ على أنَّ مرتكبه فاعل للكبيرة، نرجو بيان الضابط في ذلك حيث أشكل هذا على بعض الأخوة؟
ج/ هذه المسألة أصْلُهَا أَنَّ الله - عز وجل - حَرَّمَ أشياء، وقَسَم - عز وجل - المحرّمات إلى قسمين: إلى كبائر وإلى صغائر. فقال - عز وجل - {الذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالفَوَاحِشَ إلاَّ اللَّمَمَ} [النجم:32] ، فجعل ثَمَّ كبائر وثَمَّ صغائر، وقال - عز وجل - أيضا {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفَّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا} [النساء:31] ، وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال «الكبائر سبع» (?) وفي الحديث المتفق على صحته «اجتنبوا السبع الموبقات الشرك بالله والسحر» (?) إلى آخره.
فإذاً انقسام المحرمات إلى كبائر وصغائر أمْرٌ مُقَرَّر في الشريعة، في القرآن وفي السنة وعليه أكثر أهل العلم أو غالب أهل العلم.
وقال آخرون: إنَّ الذنوب كلها كبائر؛ لأنَّ الصغيرة إذا نُظِرَ فيها إلى حق من عُصِيَ بها فهي كبيرة، واستدلوا لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير» (?) فجعله ليس بكبير ثم أثبت أنه كبير، فقالوا: إنَّ الذنب لا يكون صغيراً.
وهذا غَلَطْ ممن قال به لأنَّ النصوص دالة على التقسيم، ثُمَّ إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في ذِكْرِ المكفرات «الصلاة إلى الصلاة والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهما ما اجتنبت الكبائر» (?) وصحّ أيضا أنه صلى الله عليه وسلم (جاءه رجل وقال يا رسول الله: إني لقيت امْرَأَةً في بعض السكك فأصبت منها غير أني لم أَنْكَحْ. فقال صلى الله عليه وسلم «هل صليت معنا؟» فقال: نعم فقال «تلك كفارتها» (?) وتلا قول الله - عز وجل - {وأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى للذَّاكِرِينَ} [هود:114] ، قال الرجل: يا رسول الله أهي لي أم للناس عامة؟ قال «بل هي عامة» فدل هذا على أن الصغائر تُكَفَّرْ وعلى أن الكبائر لابد لها من التوبة.
اختلف العلماء في ضابط الكبيرة ما هي الكبيرة؟ وبِمَ تُحَد؟ على أقوال كثيرة جداً.
لكن الذي نُرِجِّحُهُ في ذلك تَبَعَاً للمحققين من أهل العلم أنَّ الكبيرة ما تُوُعِّدَ فيه، يعني ما جاء الليل بأن صاحبه مُتَوَعَّدْ بالحد في الدنيا أو بالعذاب في الآخرة، وما كان فيه الوعيد بحد في الدنيا كشرب الخمر والزنا والسرقة والقذف وأشباه ذلك فإن هذا أو ما هو أكبر من ذلك فإن هذا كبيرة؛ لأنه متوعد صاحبُه بالعذاب بالنار في الآخرة أو بالحد في الدنيا.
وزاد شيخ الإسلام ابن تيمية -اجتهادا منه- على هذا أنه ما جاء النص فيه بنفي الإيمان واللعن فإنه يدل على أنه كبيرة ونظمها ابن عبد القوي في منظومته المشهورة التي طُبعت مؤخرا فقال في ذلك في حد الكبيرة:
فما فيه حد في الدُّنَى أو تَوَعُدٌ بأخرى فَسَمْ كبرى على نص أحمد
يعني هذا هو الذي نص عليه الإمام أحمد وهو قول جمهور العلماء، قال:
وزاد حفيد المجد أو جا وعيده بنفي لإيمان وطرد لمُبْعَدِ
وزاد حفيد المَجْدِ) يعني الشيخ تقي الدين ابن تيمية
يعني ما جاء في النص بنفي الإيمان «لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه» (?) .
وطرد لمبعد «لعن الله من غير منار الأرض» (?) هذا يدل على أنه كبيرة عند شيخ الإسلام.
إذا تبين ذلك فالسائل يسأل عن ضابط نفي الإيمان لأنه فيه نصوص نُفِيَ فيها الإيمان وبالإجماع أنه ليس بكبيرة كقوله صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (?) والضابط في نفي الإيمان أنه ما نُفِيَ الإيمان فيه عن مَنْ فَعَلَ مُحَرَّمَاً، أما من لم يفعل المحرم فإنَّ نَفْيَ الإيمان ليس من هذا الباب، لكن من فَعَلَ محرما فإنَّ دخول نفي الإيمان على الفعل المحرم ينقل هذا الفعل المحرم من كونه صغيرة إلى كونه كبيرة «لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه» .
أما قوله «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» فهذا بالإجماع مستحب، قوله أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك من الخير بالإجماع على أنه مستحب.