[المسألة السابعة: في معنى خلق الله لفعل العبد، وتحقيق مذهب أهل السنة والجماعة في ذلك]

[المسألة السابعة] :

وهذه المسألة متعلقة بمعنى خلق الله - عز وجل - لفعل العبد، وتحقيق مذهب أهل السنة والجماعة في ذلك.

فقد قلنا: إنَّ الإنسان عَمَلُهُ من خير أو شر يضاف إليه حقيقة، فهو الذي عَمِلَ الخير حقيقة وهو الذي عَمِلَ الشر حقيقة.

ومع ذلك لا يقال: إنه خَلَقَ فعله، بل هو عَمِلَهُ ويُضَافُ إليه لأنه كَسَبَهُ وعَمِلَه.

وأما خَلْقُ الفِعْلِ فالله - عز وجل - هو الذي خَلَقَ سبحانه وتعالى.

وبيان ذلك في الفَرْقْ ما بين أهل السنة والجماعة وما بين مذهب القدرية والمعتزلة وأشباه هؤلاء:

أنَّ العبد كَسَبَ العمل وعَمِلَ العمل حقيقة؛ لأنَّ ذلك العمل نتج عن شيئين فيه من الصفات لا يمكن له أن يُحْدِثَ العَمَلْ إلا بوجود هاتين الصفتين:

فالصّفة الأولى: هي صفة القدرة التامة.

والصّفة الثانية: هي الإرادة الجازمة.

فإذا كان عند العبد قدرة تامة وإرادة جازمة حَصَلَ له الفعل.

تَوَجَّهَتْ قدرته التامة -يعني ليس بعاجز- وإرادته الجازمة -يعني ليس بمتردد- تَوَجَّهَتْ للشيء فعمله.

فيكون الفعل حدث: بقدرة العبد وبإرادته.

1 - بقدرته التامة.

2 - وبإرادته الجازمة.

فالذي تكون قدرته ناقصة لا يُحْدِثْ الفعل.

والذي تكون إرادته مترددة لا يُحْدِثْ الفعل.

مثلاً الإتيان إلى المسجد للصلاة: شخص لا يستطيع أن يأتي إمَّا لمرض أو لغير ذلك فهذا ربما عنده إرادة لكن ليس عنده قدرة، ولذلك لا يحصل منه (الفعل-العمل-الكسب) وهو إتيان المسجد.

آخر عنده قدرة تامة ولكن ليس عنده إرادة البتة ليس عنده إرادة لإتيان المسجد فلا يمكن بالقدرة أن يُحْدِثْ الإتيان.

وقد يكون عنده إرادة لكن عنده تردد، ما جَزَمَ على الإتيان فلا تتحرك جوارحه وآلاته؛ لأنَّ إرادته ليست جازمة.

فإذاً العمل -فعل العبد- عند أهل السنة والجماعة لا يمكن أن يحدث إلا بقدرة تامة وإرادة جازمة.

وقدرة العبد صفة من صفاته لم يُقْدِرْ هو نفسه باتفاق الناس.

وإرادة العبد صفة من صفاته لم يُحْدِثْ- إرادة نفسه ويختار الإرادة يعني أن يكون مريدا بنفسه-، وإنما الله - عز وجل - هو الذي خَلَقَ فيه القدرة وآلات القدرة وخلق فيه الإرادة وله الإرادة ومقتضيات الإرادة.

فإذاً ما نَتَجَ عن خلق الله - عز وجل - في الأمرين فهو مخلوق لله - عز وجل -.

ففعل العبد نتج عن الإرادة والقدرة وهما مخلوقان.

فنتج شيء عن خلق الله - عز وجل -، فإذاً هو مخلوق لله - عز وجل - لأنَّ الله سبحانه وتعالى جعل العمل نتيجة للقدرة والإرادة.

مثل النبات: أنزل الله - عز وجل - من السماء ماءً فأنْبَتَ به أزواجاً من نبات شتى.

الماء نَزَلْ، والأرض موجودة، فبِسَبَبِ الماء وبسبب الأرض خرج النبات.

فهل يقال: إنَّ النبات خلقه الماء والأرض؟

ليس كذلك باتفاق المسلمين، باتفاق الناس، لم؟

لأنَّه نتيجة لنزول الماء الذي هو مخلوق باتفاق القدرية وأهل السنة، ونتيجة لنزول الماء على الأرض والتراب، والتراب والأرض مخلوق باتفاق أهل السنة والجماعة والقدرية والناس جميعاً.

فإذا كان كذلك كان ما ينتج عنهما وهو النبات مخلوق؛ لأنه نتج عن شيئين اجتمعا (الماء والتراب) وما نتج عن مخلوقين فإذاً له نفس الحكم.

إذا تبين ذلك فإذاً نقول أهل السنة والجماعة في تقريرهم في خلق أفعال العباد استدلوا بالآية كما ذكرنا لكم من قبل {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر:62] ، وبقوله تعالى {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96] ، وأيضاً استدلوا بهذه القاعدة وهو أنَّ عمل العبد لا ينتج إلا عن هاتين الصفتين.

لهذا إذا لم يعط الله - عز وجل - العبد القدرة فإنه يرفع عنه التكليف «صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعداً» (?) {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور:61] .

وإذا لم يُعْطِهِ الإرادة كأن يكون مجنوناً لا يريد، أو كان صغيراً إرادته لا تتوجه إلى شيءٍ بِجَزْمْ مع عقل فإنه أيضاً يكون التكليف مرفوعاً عنه لأنَّ الفعل لا يتوجه إليه.

الحقيقة إذاً أنَّ العبد ابْتُلِيَ بهذه الصفات التي فيه.

ابتلي بالصفات الجسمانية هذه كلها ومنها صفة القدرة وصفة الإرادة.

إذاً فَتَحَصَّلَ لك أَنَّ معنى خلق أفعال العباد والدليل عليها هو ما ذكرنا من الأدلة من القرآن.

ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم «إن الله صانع كل صانع وصنعتِه» (?) يعني صَنَعْ الناس وصَنَعَ أيضاً ما يصنعون.

ولهذا نقول إنَّ الدليل على خلق أفعال العباد واضح من الكتاب والسنة، وأيضاً مما قرّرنا لك من صفات الإنسان وما ينتج عن ذلك من الدليل العقلي.

وثَمَّ بسط كثير في الاستلال على هذه المسألة محله المطولات.

هذه ألفاظ ترد معك في مباحث القدر لا بد أن تعرفها بوضوح ثم بعد ذلك إذا قرأت ما شئت من الكتب في باب القدر ستكون واضحة إن شاء الله تعالى لك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015