[المسألة الثانية: ذكر مراتب القدر الأربعة مع التفصيل]

[المسألة الثانية] :

الإيمان بالقدر إيمانٌ بما دَلَّ القرآن والسنة عليه مما يتصل بالقدر، وذلك إيمانٌ بأربع مراتب:

- المرتبة الأولى: العلم.

- المرتبة الثانية: الكتابة.

- المرتبة الثالثة: عموم المشيئة.

- المرتبة الرابعة: خلق الله - عز وجل - للأشياء كلها.

@ أما المرتبة الأولى العلم: فأدلتها كثيرة ذكرنا لكم بعضاً منها.

@ المرتبة الثانية الكتابة: الكتابة ثَمَّ أدلة كثيرة عليها منها قوله تعالى {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج:70] ، وفي قوله تعالى {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} [القمر:53] ، ودلّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم «قدّر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء» (?) .

ومعنى الكتابة أنّ الله سبحانه كَتَبَ كلَّ شيء في اللوح المحفوظ، سواء ما يتعلق بالمكلفين أو ما يتعلق بغير المكلَّفين وذلك لعموم قوله {إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ} [الحج:70] يعني ما في السماء والأرض.

والكتابة هذه المقصود بها الكتابة في اللوح المحفوظ؛ كتابة مقادير الأشياء في اللوح المحفوظ.

ومن هذه الكتابة ثَمَّ أنواع من الكتابة تفصيلية لها: منها الكتابة العُمْرية، والكتابة السنوية، والكتابة اليومية، وأشباه ذلك مما دلت عليه الأدلة في القرآن والسنة.

@ المرتبة الثالثة مرتبة المشيئة: ويُعْنَى بها أنَّ ما شاء الله - عز وجل - كان، لا تُرَدُّ مشيئة الله - عز وجل -، وأنَّ الذي لا يشاؤه الله سبحانه ولو شاءه العبد ورَغِبَ فيه فإنه لا يقع، ودليلها قوله سبحانه {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان:30] ، وقوله سبحانه {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29] .

والمشيئة مرتبطة بالكون؛ يعني أنَّ المشيئة كونية، فإذا شاء الله أن يقع هذا الشيء في هذا الوقت على هذه الصفة فإنّه يقع على ما شاءه الله - عز وجل - وأراده كوناً.

والمشيئة تساوي الإرادة الكونية.

ولهذا يُبْحَثْ هنا في مرتبة المشيئة الفرق ما بين المشيئة والإرادة.

وأهل السنة على أنّ مشيئة الله - عز وجل - هي إرادته الكونية، وأنّ الإرادة منقسمة إلى: إرادة شرعية دينية وإلى إرادة كونية، وأنَّ الله سبحانه قد يشاء الشيء كوناً؛ يعني يريده كوناً فيقع ولا يريده ديناً وشريعة.

فيجتمع إذاً في بعض الحالات إرادة وعدم إرادة، فيكون الفعل المعيّن مُرَادْ وغير مُرَادْ.

شاءه الله فوقع وأراده فوقع؛ ولكن لم يُرِدْهُ سبحانه ديناً وشريعة، وهذا فيما يَكرهه الله ولا يرضاه ديناً مثل كفر الكافر، معصية العاصي، ضلال الضال إلى آخره.

فإنّ الله سبحانه شاء الكفر من الكافر؛ لأنّه ما دام وَقَعَ فإنه قد شاءه وأراده كوناً؛ لأنه لا يحصل في ملكوته إلا ما أراده - عز وجل - كوناً؛ ولكن لم يرضه لم يُرِدْهُ ديناً؛ لأنَّ الله نهى في كتابه وعلى ألسنة رسله عن الكفر والفساد وبيَّن أنه لا يرضى ذلك ولا يحبه، كما قال {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر:7] ، وقال {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:205] .

وهذه هي المسألة المعروفة لدى كثير منكم بالفرق ما بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية، وسيأتي لها مزيد بيان عند ذكر الرد على المخالفين في القدر إن شاء الله تعالى.

@ المرتبة الرّابعة مرتبة عموم خلق الله - عز وجل - للأشياء: وأنَّ الله سبحانه خالق كل شيء، وأنَّ طاعة المطيع خَلَقَهَا الله ومعصية العاصي خَلَقَهَا الله وأنَّ صلاة المصلي خَلَقَهَا الله كما خلق ذاته؛ يعني ذات المصلي فإنه يخلق أعمالهم.

وهذه يُسْتَدَلُّ لها بقول الله سبحانه {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر:62] ، وبنحو قوله سبحانه {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان:2] ، ونحو ذلك من الآيات.

وفي خصوص عموم خلق الله للعمل يُستدل بقوله سبحانه وتعالى {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96] ، وفي هذه الآية دليل على أنَّ عمل العامل خَلَقَهُ الله.

وذلك أنَّ كلمة {مَا} في الآية {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} فيها وجهان:

1- الوجه الأول: أنها مصدرية بمعنى أنّها تُقَدَّرْ مع ما بَعْدَهَا بمصدر؛ يعني يكون سبك الآية (والله خلقكم وعملكم) ، وهذا الوجه هو?الأصح فيها.

2- الوجه الثاني: أنَّ {مَا} هنا موصولة بمعنى الذي فيكون المعنى (والله خلقكم والذي تعملونه) .

* وهي على كلٍ من الوجهين دالة على المراد في عموم خلق الله - عز وجل - للعبد.

ووضوح الدليل الأول يعني في كونها مصدرية، وقد يكون ثَمَّ بعض الاعتراض على الاستدلال بالوجه الثاني.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015