إذا تبين ذلك فإنَّ تفسير الشهادة هنا وهذه الآية عند المحققين من أهل العلم على ما ذكرنا هو بالفطرة؛ الفطرة التي فطر الله ? الناس عليها، وهي الفطرة في الربوبية التي تدل على الألوهية، وهي في معنى قوله ? {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:30] ، وفي معنى قوله صلى الله عليه وسلم «كل مولود يولد على الفطرة» (?) .

وهذا الذي ذَكَرْتُ من تفسير الآية على وجه التفصيل والبسط هذا هو مذهب واختيار أئمة أهل السنة كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير رحمه الله في تفسيره وشارح الطحاوية وأئمة الدعوة والشيخ عبد الرحمن بن سعدي في تفسيره وهو تفسير جماعات كثيرة من أهل العلم.

وهو الذي يتعيَّن في الموافقة مع أصول التوحيد وأصول العقيدة بعامة.

وهو الذي يتعين مُوَافَقَةً لحكمة الله ?.

وهو الذي يتعين مُوَافَقَةً لما هو مقرر في الشريعة من مسألة إقامة الحجة في أحكام المرتد.

لهذا غَلِطَ في هذه الآية جماعات، ومن المعاصرين جماعات أيضاً فجعلوها حجَّةً على أنَّهُ ليس ثَمَّ حاجة لإقامة الحجة على العباد؛ بل الفطرة كافية، والعهد الأول كافي وإلى آخره.

وهذا ولاشك ليس بمرضيّ.

والحجة لا تقوم على العباد بشيء لا يتذكرونه أصلاً، وإنما العباد أمامهم الدّلائل.

أما تَذَكُّر ميثاق وتَذَكُّرْ شهادة وتَذَكُّرْ هذه الأشياء، فإنّ أحداً لا يتذكر ذلك، وإنما الرسل تُذَكِّرُهُمْ بذلك فتكون الحجة بالرسل لا بذلك الأمر الأول.

لهذا ذكرتُ لك في أول البحث أنَّ مسألة الميثاق مرتبطة بالقدر، وليست متصلةً بالتكفير، ليست متصلةً بالحجة، ليست متصلة بهذه المسائل، وإنما هي -يعني الميثاق- مرتبط بالقدر لا غير، وليس حجة على خلاف القدر، إنما هو دليل على القدر فقط دون ما سواه.

تقرؤون الكلام الطويل الذي ذكره شارح الطحاوية وفيه طُولْ.

والمسألة بما ذكرتُ لك تكون قريبةً واضحة، ولا يكون ثَمَّ إشكال في هذه الآية ولله الحمد، وهي من الآيات المُشْكِلَة كما ذكرتُ لك؛ لكن بتأمل قول المحققين والنّظر في تصحيح الأحاديث وعِلَلِهَا وأنَّ الأحاديث التي فيها الرّبط ما بين الآية والميثاق فيها اضطراب وفيها ضَعف في بعضها ضعف في الإسناد وفي بعضها علّة بالوقف وثَمَّ أشياء أُخر لا نطيل بالكلام عليها.

بعدها ذَكَرَ مسألة القدر، مسألة القدر يطول الكلام عليها، ولعلنا نبحثها إن شاء الله المرة القادمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015