فكل هذا تشبيه للمخلوق بالخالق وتمثيل للمخلوق بالخالق وهو شرك بالله - جل جلاله -.
لهذا لم يُطلق أكثر السلف نفي التشبيه، وإنما أطلقوا نفي التمثيل؛ لأنَّ الله - جل جلاله - قال {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} .
ولفظ التشبيه لم يرد فيه النفي في الكتاب ولا في السنة فيما أعلم، وإنما ورد لفظ التمثيل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} .
وفرق ما بين التمثيل وبين التشبيه:
- فالتمثيل: معناه المساواة هذا مثل هذا؛ يعني يساويه في صفة أو في صفات.
- أما التشبيه فهو من التَّشَابه، وقد يكون التشابه كاملاً، فيكون تمثيلاً، وقد يكون التشابه ناقصاً فيكون في كلّ المعنى أو في أصل المعنى على نحو ما فَصَّلْتُ لك (?) .
فإذاً إذا قيل لا نُشَبِّه فلا يندرج في ذلك إثبات أصل المعنى، يعني التشابه في المعنى.
لأنه لا يستقيم إثبات الصفات إلا بمشابَهَةٍ في المعنى، ولكن ليس مُشَابَهَة في كل المعنى، ولا في الكيفية؛ لأن هذا تمثيل.
* فلهذا لا يُطلق النفي للتشبيه، لا نقول التشبيه منتفيا مطلقاً، كما يقوله من لا يحسن، بل يقال التمثيل منتفٍ مطلقا.
أما التشبيه فنقول: التشبيه منتف؛ فالله ـ لا يماثله شيء ولا يشابهه شيء.
وينصرف هذا النفي للتشبيه في الكيفية أو في تمام المعنى في كماله.
3 - (التنزيه) :
(التَّنْزِيهَ) يعني تنزيه الرب - عز وجل - عما لا يليق بجلاله وعظمته.
قال (لَمْ يُصِبِ التَّنْزِيهَ) فالذي لم يَحْذَرْ النفي ولم يَحْذَرْ التشبيه، فإنه يَزِلُّ ولن يصيب تنزيه الرب - عز وجل - عما لا يليق بجلاله وعظمته.
والتنزيه هو التسبيح؛ فمعنى ذلك أنَّ من نَفَى أو شَبَّهَ فإنَّهُ لم يُسَبِّح الله - عز وجل - كما يليق بجلاله وعظمته.
لأنَّ معنى سبحان الله هو: تَنْزِيهَاً لله، والكون كله يردد سبحان الله وبحمده، {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:44] .
فإذن من الواجب أن يُنَزَّهْ الله - عز وجل - عما لا يليق بجلاله وعظمته.
ولهذا نقول: إنَّ اتقاء النفي والتشبيه هو طريق التنزيه والتسبيح الحق لله - عز وجل -.
فالمعتزلة الجهمية والمبتدعة من الأشاعرة والكلابية وسائر الطوائف التي نفت بعض الصفات هؤلاء لم يُنزِهُوا الرب - عز وجل - عن ما لا يليق بجلاله وعظمته بل وقعوا في شيءٍ من عدم التنزيه.
لذلك قال (وَلَمْ يُصِبِ التَّنْزِيهَ) يعني لم يُنَزِّهْ سواءً أَكَانَ مُرَادُهُ التنزيه فَأَخْطَأَ أو هو في الحقيقة لم يُنَزِّهْ؛ لأنه ما نَزَّهَ الله - عز وجل - عما لا يليق بجلاله وعظمته؛ لأنَّ الله سبحانه له الكمال المطلق في الاتصاف بالصفات.
فمن لم يثبت جميع الصفات، فهو لم يُثْبِتْ الكمال المطلق، فمعناه أنَّهُ نقص حمده لله - عز وجل - ومعنى ذلك أنه لم يُنَزِّهْ الله - جل جلاله - عما لا يليق بجلاله وعظمته.
وهذه الجملة عظيمة من كلام الطحاوي رحمه الله (وَمَنْ لَمْ يَتَوَقَّ النَّفْيَ وَالتَّشْبِيهَ، -يعني من سائر طوائف الضلال- زَلَّ وَلَمْ يُصِبِ التَّنْزِيهَ) وإن زَعَمَ أنه يُنَزِّهْ فإنه لم يُصِبْ، وهذا يكثر في المعطلة وفي المؤولة وفي النفاة، يقولون: نفينا وأوَّلنا وعَطَّلْنَا لأجل التنزيه.
وهذا يُرَدُّ عليهم بأنَّ ما فعلتموه هو وصف لله بالنقائص، وليس تنزيها للرب ـ.