ولا يقال في التأويل مجاز وللمجاز تأويل، لا، التأويل يختلف عن المجاز كما ذكرته لكم مراراً.
المجاز كتطبيق لأجل أن تفهم كيف يطبقون المجاز على قاعدتهم وكيف أنَّ هذا الكلام الذي طبقوه غير جيد غير صحيح.
يقولون مثلاً: الرحمة مجاز عن الإنعام.
طيب مجاز عن الإنعام يعني أنَّ لفظ الرحمة وضعته العرب للمخلوق للإنسان.
فلما أسْتُعْمِلَ في صفات الرب - عز وجل - نَقَلُوهُ من الوضع الأول إلى وضع ثانٍ وهو الإنعام لأنَّ العرب استعملت الرحمة بمعنى الإنعام.
فإذاً الرحمة تشمل رحمة الأم بولدها، ورحمة الوالد بولده، ورحمة الإنسان بمن يتعرض لشيء أمامه من المكروهات، وتشمل الإنعام.
رَحِمَهُ يعني أنْعَمَ عليه.
قالوا الإنعام هذا وضع ثاني والرحمة التي يجدها الإنسان في نفسه هذا الوضع الأول.
ففي صفات الرب - عز وجل - لا نقول إنه متصف بالرحمة لم؟
قالوا لأنَّ الرحمة لا تحصل إلا بضعف، إلا بانكسار، وهذا منزه عنه الرب - جل جلاله -.
فإذاً نقلوا من الوضع الأول إلى وضعٍ ثانٍ لعلاقة.
العلاقة بينهما هي مناسبة هذا لله - عز وجل -.
يعني الإنعام مناسب في هذا وفي هذا.
العلاقات عندهم في المجاز نحو ثلاثين علاقة، وأُلِّفَتْ فيها كتب، يعني من باب الذكر وليست مهمة.
طيب، عندكم الرحمة بمعنى الإنعام، والرحمة حينما فسرتموها قلتم الوضع الأول في الإنسان لماذا؟
الرحمة هذا اللفظ وُجِدَ مع الإنسان، أليس كذلك؟
وُجِدَ مع الإنسان، أحَسَّ بهذا الشيء الذي في نفسه وهذا الشيء سُمِّيَ رحمة.
فهل هذه الرحمة حينما وُضع لها هذا المعنى هي في لغة العرب أو هي في اللغات جميعاً؟
الجواب أنها في لغة العرب؛ يعني من حيث لفظ (رحمة) .
وأما المعنى المُشْتَرَكْ لهذه الصفة فهذا عام في جميع اللغات؛ يعني موجود في كل لغة ما يدل عليه.
اللغة هل تضع الأشياء محدودة أو كلية؟
اللغة المفروض فيها أنها تجعل الألفاظ للمعاني الكلية، لا لمعانٍ محدودة.
فنأتي للرحمة فنقول الإنسان عنده هذه الرحمة، وَجَدَ هذه الصفة في نفسه فَسَمَّاهَا رحمة.
لكن لا يوجد تعريف في أي كتاب من كتب اللغة للرحمة بتعريف جامع مانع محدود.
كذلك الرأفة، كذلك الوُد، كذلك المحبة، ونحو ذلك، فالمعاني النفسية هذه الموجودة في داخل نفس الإنسان هذه لا يوجد تعريف محدّد لها حتى في كتب اللغة.
إذاً فهي ليست موضوعة لما يحسُّهُ الإنسان، وهي إذاً موضوعة لمعانٍ كلّية تشمل هذه الصفة.
ولهذا نجد أنّ كل الصفات المعنوية لا يمكن تعريفها.
لو أتاك أحد وقال عرف لي هذه الرحمة التي في قلبك؟
لا يُحْسِنْ حتى هؤلاء الذين يَحْكُمُون بالمجاز وبالتأويل لا يُحْسِنُونَ أَنْ يُعَرِّفُوا الرحمة بشيءٍ جامعٍ مانع.
هات الرحمة بتعريف جامع؟
فيُفَسِّرْ الرحمة بأثر الرحمة، فيُفَسِّرْ الرأفة بأثر الرأفة، فيُفَسِّرْ المحبة بأثر المحبة.
لكن كل إنسان في أي لغة إذا طَرَقَ سمعه الرحمة هو يعرف مدلول الرحمة بما يجده في نفسه.
إذاً فالمعاني النفسية هذه التي هي ليست ذوات هذه كليات، والكليات ليست مفردات، الكليات للجميع.
فإذاً جَعْلُ الكلية اللغوية مُفْرَدَاً في حال الإنسان، وجَعْلُ هذه المفْرَدَةَ وضْعَاً أول هذا لاشك أنه ليس له دليل في اللغة وليس له أيضاً برهان وهو تَحَكُّم.
فإذاً لكل شيء يناسبه.
إذا قلت للعربي رحمة الطير، الطير حينما رَحِمَ، هل كانت الرحمة في الإنسان واستعار للطَّيْرِ الرحمة؛ أي جَعَلَهَا في الطير مجازاً؟
الجواب: لا، يقول لا، الطير فيه رحمة، طيب هذا المعنى الكلي بين الطير والإنسان هل كان في الوضع الأول خاصَّاً بالإنسان ثم عُدِّيَ أو كان للجميع؟
فإن قال للإنسان وحده فإنه لن يقوله؛ لأنه لا يُسَلَّمْ له.
وإن قال للإنسان والطير وللحيوان فيما يَرْحَمْ، قيل له فإذاً العرب وضعت هذا اللفظ بالوضع الأول للجميع لهذين فقط، أو وضعت كُلِّيَّة فَطُبِّقَتْ على الإنسان والحيوان وعلى الطير؟
فَمُؤَدَّى الأمر أَنَّ هذه الكلمات مبنية على برهانين:
1 - البرهان الأول:
معرفة نشأة اللغات، وأنَّ الوضع الأول للأشياء في الإنسان أو في الطير فقط أنَّ هذا غير جارٍ؛ لأنه ما يُتَصَوَّرْ -كما قلت لك خَيَالٌ أنَّ العرب اجتمعت ووضعت هذه الأشياء على هذا النحو-.
2 - البرهان الثاني:
أن يُقَال المعاني الكلية المشتركة هذه لها تعريف عام لُغَوِي، وإذا كان لها تعريف عام، ووجودها في الإنسان تمثيل، ووجودها في الطير تمثيل ووجودها في الأم من الحيوان لولدها تمثيل، وهكذا، فإذاً القضية الكلية أو التعريف الكلي لا يُسَلَّط عليه المجاز بالأمثلة.
هذه القضية كبيرة بلا شك، ولابد منكم لمن أراد التحقيق في علوم العقيدة وفي علوم اللغة أن ينتبه إلى هذه المسألة؛ وهي نشأة اللغات.
كيف نشأت اللغات؟
كيف نشأت اللغة العربية؟
في اللغة العربية أتى العرب موجودون فكانت أمامهم لغة؟
لا، الأسماء عُلَّمها آدم {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31] .