فقال صلى الله عليه وسلم له هذا الذي عندك، اسمع، فتلا عليه صدر سورة فصلت {حم (1) تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [فصلت:1-4] ومر صلى الله عليه وسلم في التلاوة حتى بلغ قوله تعالى {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت:13] .

فالتفت إليه الرجل فقال حسبك الآن، فرجع إلى قومه.

فلما رأوه مقبلاً، قالوا لقد أتاكم فلان بوجه غير الوجه الذي ذهب به، فلما حضر، قالوا ما عندك يا فلان؟

قال: إني سمعت كلاماً ليس هو بالشعر، وليس هو بالكهانة، وليس هو بالكلام الذي نألف، إنَّ له لحلاوة، وإنَّ عليه لطُلاوة -أو طَلاوة أو طِلاوة مثلثة- وإنَّ أسفله لمورق، وإنَّ أعلاه لمثمر، وإنه ليعلو ولا يُعلا عليه.

فتبيَّنَ بذلك أنَّ أولئك الذين قالوا هو كهانة وهو شعر وهو قول البشر أنهم هم الذين ردوا على أنفسهم {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل:14] .

هذه المسألة يمكن أن نمرّ عليها فيما ذَكَرْ بشيء من التقرير العام كما فعل الشارح؛ لكن هذه المسألة متصلة ببحث عظيم، وهو بحث (دلائل النبوة) ؛ لأنَّ كون القرآن لا يشبه كلام البشر ولا يشبه قول البشر هو المسألة الموسومة عند العلماء بمسألة إعجاز القرآن وأنَّ القرآن مُعْجِزْ.

وهذه ولاشك مسألة مهمة قلّ بل نَدَرَ أن تَتَعَرَّضَ لها كتب العقائد، ولها صلة ببحث دلائل النبوة فهي في التوحيد؛ لأنَّ صلتها تارة بدلائل النبوة من كون القرآن مُعْجِزاً ودليلاً على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه منزل من عند الله، ومن جهة أخرى لها صلة بمبحث كلام الله - عز وجل - وهو أنَّ القرآن لا يشبه كلام البشر وأنَّ كلام الله - عز وجل - ليس ككلام البشر.

فلا بأس إذاً أن نقرر هذه المسألة وهي المسألة الموسومة بإعجاز القرآن؛ لأجل ندرة الكلام عليها في كتب العقائد مُفَصَّلَة، ونذكر منها بعض ما يناسب هذه الدروس المختصرة.

لتقرير هذه المسألة وهي مسألة إعجاز القرآن، وقد تكلم فيها أنواع من الناس من جميع الفرق والمذاهب، نجعل البحث فيها في مسائل، نقول:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015