[المسألة الثالثة: أوجه الجمع بين الأدلة التي تدل على عدم التفضيل بين الأنبياء وبين قوله عز وجل {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض} ]

[المسألة الثالثة] :

أنَّ هذا البحث وهو بحث التفضيل بين الأنبياء جاءت فيه أحاديث، منها هذا الحديث (لا تفضلوني على موسى) ، (لا تخيروني على موسى) ، ومنها حديث عام (لا تَخَيَّرُوا بين الأنبياء) (?) ، ومنها حديث خاص بيونس عليه السلام وهو قوله صلى الله عليه وسلم (لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متّى) (?) وفي رواية قال (من قال أنا خير من يونس بن متّى فقد كذب) (?) ، وهذا اختلفت فيه أنظار العلماء في الجمع بين هذه الأحاديث والتفضيل وما جاء في القرآن من قوله تعالى {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة:253] ، وأحسن الأجوبة على ذلك أن يقال:

1 - أولا:

أنَّ قوله (لا تخيروني على موسى) هذا قاله لسبب قصة وردت، وهو أنَّ اليهودي والمسلم اختلفا فافتخر اليهودي على المسلم بموسى، والمسلم ردّ على اليهودي ولطمه؟

فإذاً يكون النهي إذا كان التفضيل الخاص جاء على جهة العصبية والحمية والفخر، ولهذا جاء في الحديث (أَنَا سَيّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرَ) (?) ، فدلّ على أنَّ التفضيل إذا كان مورده الفخر والعصبية فإنه يمنع منه.

2 - ثانياً:

أنَّ جهات الفضل متنوعة، والتفضيل من جهة الجنس؛ جنس الفضائل سائغ، ومن جهة كل فَضيلة بحسبها متعدد، ولهذا يقال إنَّ تفضيل محمد صلى الله عليه وسلم من جهة مجموع الفضائل، ولا يُنَصَّ على أَنَّهُ أفضل من غيره من الرسل في كل فضيلة عند جميع الرسل؛ يعني من حيث النظر العام.

3 - ثالثاً:

أن يقال إنَّ التفضيل بين الأنبياء لا حاجة إليه؛ لأنَّ الأنبياء والرسل رسالتهم واحدة، والله - عز وجل - وَصَفَ المؤمنين بأنهم آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله، والرسل وَصَفَهُم النبي عليهم الصلاة والسلام بقوله (الأنبياء إخوة لعلات الدين واحد والشرائع شتى) (?) ، وتَوَلِّي الرسل جميعاً فرض، ومحبتهم جميعاً فرض، فإذاً الدخول في التفضيل دخول فيما لا طائل تحته، فالواجب أن يُبْقَى في ذلك على النص وهو ما ذكرناه أولاً من التفضيل العام دون التفضيل الخاص.

أما قوله صلى الله عليه وسلم (من قال أنا خير من يونس بن متّى فقد كذب) فهذا لأجل أَنَّ بعض الناس قد يظن أَنَّ يونس عليه السلام فعل ما يُلامُ عليه، وأَنَّهُ عُوقِبَ بأن كان في البحر وفي بطن الحوت، ثم قال: {لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] ، فقال إنَّ هذه الكلمة ربما تكون لمن فعل شيئاً يُلَامُ عليه وعوقب، فقال: إنَّ يونس بن متّى قالها لأنَّهُ فَعَلَ ما فعل.

وهذا في الحقيقة غلط؛ لأنه لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متّى، كما قال صلى الله عليه وسلم، فيَتْرُكْ الدعاء بهذا الدعاء العظيم {لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} ، فهذا قد دعا به آدم عليه السلام، ودعا به موسى عليه السلام، ودعا به غيرهما من الأنبياء والمرسلين.

فإذاً هذا الدعاء وحال يونس بن متّى ليس فيها نص في حقه عليه السلام - أعني يونس بن متّى عليه السلام -، فإذاً لا ينبغي أن يقال إنَّ فلانا أفضل من يونس من جهة الاستحباب، لا ينبغي أن يقال ذلك، يعني لا ينبغي أن يقال إن محمداً أفضل من يونس بن متّى على جهة الاستحباب، والدليل دلّ على عدم الجواز فيمن يقوله لنفسه فلا يجوز لأحد أن يقول: أنا خير من يونس بن متّى. والنبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك، وهو أكمل الخلق عليه السلام.

هذا البحث ربما لم تظهر حاجتُه لكن بحَثَه العلماء في هذا الموضع؛ لأنَّ هناك مِن مَن يعتقد الكمال في الوَلاية من يظن أنّ حالتَه أرفع من حالة يونس بن متّى عليه السلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015