هذه الآيات والبراهين التي آتاها الله - عز وجل - محمدا صلى الله عليه وسلم أنواع:

+ النوع الأول منها القرآن وهو حجة الله - عز وجل - وآيته العظيمة على هذه الأمة، فتَحَدَّى الله - عز وجل - به الجن والإنس، ولم يستطيعوا ذلك مع أنهم متميزون في الفصاحة والبلاغة وأشباه ذلك.

فإذاً الآية والدليل الأول هو القرآن العظيم وهو الحجة الباقية.

+ النوع الثاني آيات وبراهين سمعية؛ يعني تكون دالة من جهة ما يُسمع، ومن ذلك:

تسبيح الحصى، تسبيح الطعام على عهده - صلى الله عليه وسلم - كما روى البخاري في الصحيح أن ابن مسعود قال: (كنا نسمع تسبيح الطعام ونحن نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. (?)

+ النوع الثالث آيات وبراهين راجعة إلى البصر وهو ما يُبْصَرُ من أشياء لا تحصل لغيره؛ بل هي آية وبرهان على عجز الثقلين عن ذلك، مثل نبع الماء ما بين أصابعه، ومثل حركة الجمادات وأشباه ذلك.

+ النوع الرابع أدلة وبراهين فيها نُطْقُ ما لم يَنْطِقْ وهذه تشمل الأول المسموعة، وتحرك ما لم يتحرك بالعادة ويشمل حركة الجمادات، وشعور من لا يُعرف بشعورِهِ وهذه إنما يُخْبِرُ عنها نبي وتحصل للرسل والأنبياء، مثل (حنين الجذع) (?) وتسليم الحجر وأشباه ذلك

هذا نوع وهو الآيات والبراهين (?)

@ أما الثاني هو أنَّ الرسول يأتي بخبر وأمر ونهي وللرسول قول وفعل، فهذه خمسة أشياء.

وهذا النوع من الدلائل أهم من الدلائل التي ذَكَرْتُ لك فيما قبل عدا القرآن فهو أعظم الأدلة؛ وذلك أنَّ محمدا صلى الله عليه وسلم جاء بأخبار -هذه تَصْدُقْ على جميع النبوات والرسالات-:

- جاء بخبر عن الله - عز وجل -، وهذا الخبر: منه ما يتعلق بالماضي، ومنه ما يتعلق بالحاضر، ومنه ما يتعلق بالمستقبل.

- وجاء بأمر ونهي، وهذا الأمر والنهي هو ما يدخل في الشريعة، والأوامر متنوعة والنواهي متنوعة.

- وجاء بأقوال هو قالها في التبليغ وأفعال له.

وكل هذه بمجموعها تدل للناظر على أنَّ من قال وأخْبَرَ عن الله وفَعَلَ وأَمَرَ ونَهَى فإنه صادق فيما قال؛ لأنّ كلَّ مدَّعٍ للخبر والأمر والنهي وله أقوال وله أفعال وليس على مرتبة النبوة فلابد أن يظهر لكل أحد أن يظهر كذبه فيما ادعاه وتناقضه في أقواله وأفعاله وضَعْفُ أمْرِهِ ونَهْيِهِ وعدم إِصْلَاحِهِ وأشباه ذلك.

ولهذا محمد صلى الله عليه وسلم جعل الله - عز وجل - له الكمال فيما أخبر به، وفيما أمر به، وفيما نهى، وفي أقواله وأفعاله، فَجَعَل إتِّباعه في الأقوال والأفعال إتِّباعاً مأمورا به {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ} [آل عمران:31] ، وقال {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] ، وجعل ما يخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - كخبر الله - عز وجل -؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، ونحو ذلك.

فاستقام أمره صلى الله عليه وسلم في هذه الأمور الخمسة، ولم يُعْرَف أنَّ أحداً طعن في شيء من هذه الأشياء واستقام على طعنه ولم يستسلم؛ بل كُلُ من طعن في واحد من هذه الأشياء فإنه آل به أمره إلى الاستسلام، أو أن يكون طعنه مكابرة دون برهان.

لهذا نقول إن هذا الدليل من أعظم الأدلة التي تُفَرِّقُ ما بين الرسول والنبي الصادق وما بين مُدّعي النبوة، فإنّ الرسول له أحوال كثيرة يُسْمَعْ في أقواله، يُرَى في أفعاله، أوامره ونواهيه جاءت بماذا؟ أخباره جاءت بماذا؟

ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أخْبَرَ عن أشياء حدثت في الماضي لم يكن العرب يعرفونها، وجاء تصديقها من أهل الكتاب وما كان يقرأ صلى الله عليه وسلم كتب أهل الكتاب، وجاء بأخبار عما سيحصل مستقبلاً، وجاء بأخبار عما سيحصل بين يدي الساعة وحصلت بعده صلى الله عليه وسلم شيئاً فشيئاً، منها ما حصل بعد موته سريعا، ومنها ما يحصل شيئا فشيئا، ومنها ما سيحصل بين يدي الساعة، وكل هذه الأخبار في تصديقها دالة على أنه لا يمكن أن يُعْطَاهَا إلا نبي.

كذلك ما أمر به صلى الله عليه وسلم وما نهى عنه فهو موافق للحكمة البالغة التي يعرفها أهل الدين ويعرفها أهل العقل الراجح، حتى إنَّ الحكماء شهدوا في الزمن الماضي وفي الزمن الحاضر بأن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم هي شريعة ليس فيها خلل لا من جهة الفرد في عمله ولا من جهة التنظير في المجتمع بعامة.

وكذلك ما في أفعاله صلى الله عليه وسلم فكان صلى الله عليه وسلم له المقام الأكمل في التخلص من الدنيا والبعد عن الرَّفْعَة - يعني والترفع على الناس - بل كان صلى الله عليه وسلم أكمل الناس في هديه وفي تواضعه وفي قوله وفي عمله صلى الله عليه وسلم، وكان أكمل الناس في عبادته، وكلُّ دعوى لمن ادَّعَى النبوة فلا بد أن يظهر فيها خلل في هذه الأشياء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015