وتوحيد الأسماء والصفات: هو جعل الله - عز وجل - واحداً لا مِثْل له في أسمائه وصفاته كما قال {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] وكما قال {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4] ، وكما قال - عز وجل - {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65] .
إذاً قوله (نقُولُ في تَوحيدِ الله مُعتَقدينَ بتوفيق الله) هنا ذَكَرَ التوحيد لأنَّ الخلاف قائمٌ فيه:
- ففي الربوبية قام الخلاف مع الدُّهْرِيَةْ والفلاسفة الذين يقولون: إنَّ هذا العالمَ قديم لم يزل، وأنه ليس له خالق، بل وُجِدَ هكذا العالم باتفاق، وغير ذلك من مقالات نُفاة الرب - عز وجل -.
وكذلك مخالفة للذين جعلوا الله رباً ولكن جعلوا معه شريكاً في الربوبية، وهم طوائف من الملل مختلفة، وفي هذه الأمة دَخَلَ ذلك في قول غلاة المتصوفة الذين يقولون:
إنَّ لهذا العالم فيه من يتصرف فيه من الأولياء والأقطاب الذين لكل بلد قطب يمنع ويعطي فيها ويرزق ويحيي ويميت، إلى آخر ما يعتقدون فيه.
- في الإلهية ثَمَّ من خالف.
- في الأسماء والصفات ثَمَّ من خالف كما سيأتي تفصيله.
هنا سؤال: وهو أنه قَدَّمَ القول في الاعتقاد في الله - عز وجل -، لم؟
والجواب عن ذلك أنه قدَّم ذلك لأمرين:
- الأمر الأول: أنّ الإيمان بالله مُقَدَّمٌ على غيره من أركان الإيمان كما قال - عز وجل - {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة:177] ، فَقَدَّمَ الإيمان بالله على غيره، وكما في قوله - عز وجل - {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة:275] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المعروف (الإيمان أنْ تُؤْمِنَ بِالله وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلهِ وَاليَوْمِ الآخِر، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرَّهِ) (?) .
- الأمر الثاني: أنَّ الاعتقاد في الله - عز وجل - هو أصل الإيمان، وبه يصير المرء مؤمناً، بالاعتقاد في الله - عز وجل - بالوحدانية بما دَلَّتْ عليه شهادة أن لا إله إلا الله وأَنَّ محمدا رسول الله، وأَنَّ ذلك هو أول واجبٍ على العبيد.
وفي هذا مخالفة للذين زعموا أنَّ أول واجبٍ على العبد -ويقدمونه في عقائدهم- أن يَعْرِفَ الله، أو أَنْ يستدل على معرفة الله، أو ما يسمونه بالنظر للتوحيد أو للمعرفة، أو بالقصد إلى النظر.
فلما كان أول واجب هو التوحيد قَدَّمَه، مخالَفَةً لمن قال إنَّ أول واجب هو أَنْ تنظر في الدلائل وفي الملكوت لمن كان أهلاً لذلك.
قال (إنَّ الله واحدٌ لا شريكَ لَهُ) ، (إنَّ الله واحدٌ) ، لفظ (واحدٌ) هذا من أسماء الله الحسنى، كما قال الله - عز وجل - {هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الزمر:4] ، وأيضا من أسمائه الحسنى الأحد {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] .
و (واحدٌ) يعني أنه لا شريك له، ولذلك كانت كلمة (لا شريكَ لَهُ) هذه مؤكِّدَة تأكِيْدَاً بعد تأكيد.
قال الحافظ ابن حجر وغيره في قوله (واحدٌ لا شريكَ لَهُ) هذا تأكيد بعد تأكيد لبيان عِظَمِ مقام التوحيد.
وكلمة (واحدٌ) هذه راجعة عند أهل الاعتقاد إلى أَحَدِيَّتِه سبحانه.
ونقول الصحيح أنه لا فرق بين واحد وأحد.
والمتكلمون يُفَرِّقُونَ ما بين الواحد والأحد؛ أو واحد وأحد، فيُرْجِعُون الوَاحِدِيَّةْ للصفات، والأَحَدِيَّة للأفعال.
لكن الصحيح أنَّ اسم الله - عز وجل - الواحد يرجع إليه أَحديته سبحانه في الذات وفي الصفات وفي الأفعال؛ في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
قوله (شريكَ لَهُ) هذا تفسير لـ (واحدٌ) وتأكيدٌ له.
ولهذا دلَّ قوله (إنَّ الله واحدٌ لا شريكَ لَهُ) على أَنَّ التوحيد أعظم ما يُفَسَّرُ به نَفْيُ الشريك عن الله - عز وجل -، (نقُولُ في تَوحيدِ الله إنَّ الله واحدٌ لا شريكَ لَهُ) فالتوحيد يُفسَّر بِضِدِّهِ وهو نفي الشرك كما قال الشاعر:
فالضد يظهر حسنه الضد ****** وبضدها تتبين الأشياء
فقد لا يستقيم معرفة التوحيد بتفاصيله إلا بالإيقان بِنَفْيِ الشرك بأنواعه.
لهذا نقول هنا قوله (لا شريكَ لَهُ) هذا عام يشمل نفي الشريك في الربوبية، ونفي الشريك في الألوهية، ونفي الشريك في الأسماء والصفات.
1 - النوع الأول من أنواع نفي الشريك في قوله (لا شريك له) نفي الشريك لله في ربوبيته:-
والشَّرِكَة في الربوبية راجِعَةْ إلى جعل المخلوق له من صفات الرب - عز وجل - في صفات الربوبية؛ يعني أنْ يَجْعَلَ للمخلوق تصرفاً.
إذا جعل للمخلوق تصرفاً في الكون مما يختص به الله - عز وجل -، فهذا ادِّعَاءٌ للشريك معه في الربوبية.
أو أن يعتقد أنَّ الله معه مُعِينٌ أو ظهير أو وزير.