فالواجب عندهم هو: واجب الوجود، فالفلاسفة يسمون الله تَعَالَى واجب الوجود، ويقولون: الموجودات تنقسم إِلَى ثلاثة أقسام: واجب، وممكن، ومستحيل، من حيث الوجود. فواجب الوجود هو: ما يوجد بذاته مستغنى عن غيره وغيره مفتقر إِلَى وجوده، أي الله عَزَّ وَجَلَّ. والممكن: وجود المخلوقات، والمستحيل: وجود واجبين، كما هو مستحيل وجود إلهين -مثلاً-.

فواجب الوجود عندهم -كما يقولون- هو الله عَزَّ وَجَلَّ، فلا يثبتون له إلا أنه واجب الوجود، وأنه موجود في عالم المثال -أي: في الذهن- فلا يثبتون أي صفة وجودية -كما قلنا- حتى لا يتعدد ويصبح في عالم الواقع، حيث ننفي الكمية المتصلة والكمية المنفصلة، فنقول: بإثبات ذات مجردة عن جميع الصفات.

وهذا في الحقيقة لا يتصور له وجود في خارج الذهن، بحيث نثبت ذات ليس لها أي صفة. فكل شيء له وجود لابد أن يكون له صفات، فنقول مثلاً: هو طويل، عريض، ضخم، أحمر أو أبيض، فلابد له من وصف مادام موجوداً في الخارج. فواجب الوجود الذي يتكلم عنه الفلاسفة غير موجود أبداً، إلا في أذهان الفلاسفة فقط.

نفي الصفات أفضى إلى الحلول والاتحاد

ثُمَّ ذكر المُصْنِّف قضية خطيرة وهي: أن هذا القول قد أفضى بقوم إِلَى القول بالحلول والاتحاد، وهذه أخطر من مجرد نفي الصفات.

فنفي الصفات كفر بالله عَزَّ وَجَلَّ يخرج من الملة؛ لأنه تكذيب لكتاب الله، ولكن أكفر منه مذهب الحلول والاتحاد الذين يقولون: لا يوجد متعيناً في الخارج.

وهذا مصطلح من المصطلحات اليونانية، فاستوعبت اللغة العربية هذه المصطلحات لأنها لغة واسعة، ومعنى هذا المصطلح: أنه إذا وجد أي شيء متعين خارج الذهن فلابد له من صفات، والله عندهم لا صفة له مطلقاً، -إذاً- لا يكون موجوداً متعيناً في الأعيان، وإنما يبقى في الأذهان فقط.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015