فكيف يقال في قول الله، الذي هو أصدق الكلام وأحسن الحديث وهو الكتاب الذيأُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود:1] إن حقيقة قولهم: إن ظاهر القرآن والحديث هو الكفر والضلال، وإنه ليس فيه بيان ما يصلح من الاعتقاد، ولا فيه بيان التوحيد والتنزيه!! هذا حقيقة قول المتأولين - والحق أن ما دل عليه القرآن فهو حق، وما كان باطلاً لم يدل عليه.

والمنازعون يدعون دلالته على الباطل الذي يتعين صرفه! فيقال لهم: هذا الباب الذي فتحتموه، وإن كنتم تزعمون أنكم تنتصرون به على إخوانكم المؤمنين في مواضع قليلة خفية: فقد فتحتم عليكم باباً لأنواع المشركين والمبتدعين، لا تقدرون على سده، فإنكم إذا سوغتم صرف القرآن عن دلالته المفهومة بغير دليل شرعي، فما الضابط فيما يسوغ تأويله وما لا يسوغ؟

فإن قلتم: ما دل القاطع العقلي على استحالته تأولناه، وإلا أقررناه!

قيل لكم: وبأي عقل نزن القاطع العقلي؟

فإن القرمطي الباطني يزعم قيام القواطع على بطلان ظواهر الشرع!

ويزعم الفيلسوف قيام القواطع على بطلان حشر الأجساد، ويزعم المعتزلي قيام القواطع على امتناع رؤية الله تعالى، وعلى امتناع قيام علم أو كلام أو رحمة به تعالى!!

وباب التأويلات التي يدعي أصحابها وجوبها بالمعقولات أعظمُ من أن تنحصر في هذا المقام، ويلزم حنيئذٍ محذوران عظيمان:

أحدهما: أن لا نقر بشيء من معاني الكتاب والسنة حتى نبحث قبل ذلك بحوثاً طويلة عريضة في إمكان ذلك بالعقل، وكل طائفة من المختلفين في الكتاب، يدَّعون أن العقل يدل على ما ذهبوا إليه، فيؤول الأمر إلى الحيرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015