فأهل الزيغ يبتغون أن يعلموا ما تؤول إليه معاني وحقائق هذا القرآن، فمن ذلك: أنهم ينزلون بعض الآيات عَلَى أن معانيها منزلة عَلَى أشخاص معينين وهي لم تنزل فيهم، أو يريدون معرفة معانيها التي لا يمكن أن يعلمها أحد وعلى هذا المعنى يكون الوقف عَلَى قوله: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ أولى، والمعنى متناسق، لأن الله تَعَالَى وحده هو الذي يعلم ما يؤول إليه هذا الكلام، مع أن التشابه نسبي.
سيبقى الإشكال -إذا كَانَ هذا هو الوجه المختار- فلماذا خُص الراسخون في العلم بأنهم يقولون: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا أي: إذا قلنا: إن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويله، وإنما يقولون: "آمنا به" فكل جاهل وكل إنسان لا يعلم المعنى وبإمكانه أن يقول: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا.
والله تَعَالَى إنما خص الراسخين في العلم تنبيهاً عَلَى من دونهم، فإذا كَانَ الراسخون في العلم من كبار الصحابة ومن بعدهم يقولون: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا أي: لا يعلم معناها وما تؤول إليه حقائقها إلا الله، ونرد تأويل ذلك إِلَى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، فمعنى ذلك: أن من عداهم من باب أولى أن لا يتكلم وأن لا يخوض في تأويله.
ومنهم بطبيعة الحال الذين يريدون الفتنة لأن في قلوبهم زيغ؟ إذا قلنا مثلاً: إن عبد الله بن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وهو حبر الأمة وترجمان القرآن، كَانَ يقول في مثل هذه الآيات آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا فكيف يجب أن يكون نافع بن الأزرق زعيم الخوارج الأزارقة الذي كَانَ يسائل عبد الله بن عباس كثيراً عن معاني القُرْآن في كثير من الآيات؟!.