قَالَ: [ومن تأمل النصوص حق التأمل علم أن المراد إثبات الرؤية وتحقيقها ودفع الاحتمالات عنها] لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كما في الروايات الأخرى- لما أشار أشار إِلَى القمر ثُمَّ قَالَ: (لا تُضامُّون في رؤيته) فلا يمكن بعد هذا البيان أن يؤول، وإذا أولنا مثل هذه الأمور الواضحة فما الذي لا يؤول؟! فذكر المُصْنِّف أنه [إذا سلط التأويل عَلَى مثل هذا النص كيف يستدل بنص من النصوص] فما هو النص الذي يمكن أن نقول: إنه صريح قطعي لا يحتمل التأويل؟! وهل يحتمل هذا النص أن يكون معناه "أنكم تعلمون ربكم كما تعلمون القمر ليلة البدر"؟! هذا مما لا يقوله إنسان عربي فضلاً عن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعلم النَّاس بربه وأفصح العرب.
ثُمَّ يقول المصنف: ويستشهد لهذا التأويل الفاسد بقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ [الفيل:1] ونحو ذلك مما استعمل فيه رأى التي من أفعال القلوب] ، فالمؤولة يقولون: الرؤية التي في الحديث ليست رؤية حقيقة؛ وإنما هي رؤية قلبية كما في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ [الفيل:1] والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولد في عام الفيل ولم ير ما فعل الله بأصحاب الفيل.
فالرؤية إنما كانت رؤية قلبية أو مثلها قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [المجادلة: 7] يعني: ألم تعلم ذلك بقلبك! وهذا الاستدلال في غير موضعه فهو من أبطل الباطل في مثل هذه النصوص الواضحة نعم، تأتي "رأى" لثلاثة معان: بصرية وقلبية ومن الرؤيا التي تحصل في المنام، فكما في البيت الشعري المشهور
رأيت الله أكبر كل شيء محاولة وأكثرهم جنودا