وقد كَانَ الشيخ الجيلاني معروفاً بأنه يربي المريدين- فقَالَ: نعم، عندنا يقين لا تأتيه هذه الخواطر ولا هذه الوساوس، فاحتارا.

فأما المعتزلي فإنه ترك الاعتزال ودخل مع الشيخ عبد القادر حتى أصبح من كبار طلاب الشيخ، ووجد اليقين في الإيمانيات.

وأما ذلك الآخر فإنه قَالَ: لا. وشك في الأمر، ثُمَّ تركه وبقي عمره في الحيرة وفي الشك.

والقصد أنهم يتعجبون ممن يمتلك اليقين في أبواب العقيدة، وهم مع خوضهم البحر الخضم لم يصلوا إليه! وهذا هو حال الملاحدة اليوم في الغرب، فالنَّصَارَى بالذات في الدول الأوروبية لا يعلمون ديناً غير دين النَّصَارَى.

ولو قلت لأحدهم: أيها أفضل دين النَّصَارَىأو الإسلام أو البوذية؟

فإنه يقول لك: لا توجد نسبة، دين النَّصَارَىدين عظيم وممتاز! والإسلام همجية، والبوذية همجية! فهو يتصور أن أعظم دين وأفضله دين النصرانية.

فإذا سألته هل أنت تؤمن بالنصرانية؟

فإنه يقول لك: لا؛ أنا إنسان أؤمن بالعلم فقط، ولا أؤمن بالدين؛ لأن فيه خرافات وكذا وكذا، والنتيجة تصبح أنه لا يؤمن بأي دين، فيكون حائراً ملحداً.

ثُمَّ يقول لك: أحسن شيء أنني لا أتكلم في الغيبيات والفلسفات بل أبقى إنساناً عملياً، أفكر في الأمور العملية فقط، مثل النظرية التي مشت عليها أمريكا الفلسفة العملية.

فتقول: أنت لا تنظر إِلَى الشيء من حيث أنه خطأ أو صواب، حق أو باطل فهذا لا يعنيك، يعنيك فقط، هل له ثمرة عملية موجودة؟

ويقول لك: لا تحكم لي عَلَى هذا العمل أهو أخلاقي أو غير أخلاقي؟ أصواب أم خطأ؟

بل قل لي: هل توجد ثمرة مادية أم لا؟

وهكذا إذا أتيت إِلَى عالم الفلك وقلت له: عندما تتأمل في الكون وفي المنظار تتأمل المراصد وترى هذه العجائب ألا يحدث عندك شيء من الإيمان بالله؟ فإنه يقول: إنني إنسان علمي، أتكلم في النتائج العلمية فقط، لا أحاول أن أُشْغِل نفسي بأمور فلسفية خارج النطاق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015