وكم من جبالٍ قد علت شرفاتها رجال فزالوا والجبالُ جبالُ

وهنا حصل ما نسميه بيقظة الروح، أو يقظة الضمير، وذلك عندما يتفكر الإِنسَان أين مصير الناس، وهذا من أكثر ما يورث اليقين في القلب، ولو أن الرازي فطن إِلَى هذا الأمر وحده - كما ذكر في هذه الأبيات- لأغناه، وهذه العبرة كررها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في القُرْآن ولأنها عظيمة، ولأنها مؤثرة، وهي التفطن والتفكر في الأمم الذين خلوا من قبل قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ َ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [آل عمران:137] انظروا إِلَى الآثار التي خلفها الذين من قبلكم، الرومان، الفرس، الصينيون، الآشوريون، البابليون، الفينقيون، الفراعنة، أمم وحضارات ودول ذهبت وزالت كما يقولون: سادت ثُمَّ بادت، هذا هو المصير، ألا يكفي أن يثير هذا الأمر العبرة في كل ذي قلب وفي كل ذي عقل إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ َ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [قّ:37] والرازي في لحظة اليقظة يقظة الضمير أو يقظة الروح، استطاع أن يعبِّر عن هذه القضية، وعن هذه العبرة وهكذا الحياة هذا شأنها، لو تأمل الإِنسَان إِلَى البحر كم ركبه؟ وكم طوى فيه؟ والأرض التي نَحْنُ فيها، كم علاها من أقوام، وكم صار فوقها، وربما كَانَ أحدهم يتبختر في مشيه، وكأنه لن يموت وكأنه كما قال الله عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً [الاسراء:37] ثُمَّ في الأخير أين هو الآن؟ كما قال المعري -وكان من كبار الملاحدة -:

خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015