إذاً: ما دام الجزء من الشيء فالشيء كله أكبر من جزئه، فيأتون بهذا المثال من شدة ما أفلسوا في القضايا البرهانية لم يبق لديهم إلا الاستدلال عَلَى أمور لا ينكرها ولا يكابر فيها أحد من العقلاء حتى الذين لم يشغلوا أنفسهم بهذه العلوم، وقوله: [وأحسن ما عندهم فهو في القُرْآن أصح تقريراً، وأحسن تفسيراً، فليس عندهم إلا التكلف والتطويل والتعقيد] هذا هو حال علماء الكلام: فلو أرادوا أن يثبتوا صفة الإرادة مثلاً يقولون: إذا نظرنا إِلَى الكون نجد أن فيه تخصيص. هذا طويل، وهذا قصير، وهذا غني، وهذا فقير، ويطيلون بكلام لا يكاد يفهم صفحات طويلة تخرج منها بأن الخالق الذي خلق هذا البشر مريد، وهذه القضية بدهية عند كل مسلم: أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يريد ويفعل ما يريد، كما هو في الكتاب والسنة لكنهم لا يريدون هذه الطريق، وإنما يريدون الطرق العقلية كما يقولون، ولهذا قال هذا الشاعر الذي لم نعثر عَلَى اسمه، ولا عَلَى عصره؛ لكنه قال بيتين وهما في معناهما من أجود ما قيل يقول:

لولا التنافس في الدنيا لما وضعت كُتْب التناظر لا المغني ولا العمدُ

يحللون بزعم منهم عقدا وبالذي وضعوه زادت العقدُ.

التنافس في الدنيا هو الذي أدى إِلَى أن توضع كتب التناظر وكتب المقالات وذكر مثالين: المغني وهو كتاب للقاضيعبد الجبار المعتزلي المتوفي سنة (415) وهو أكبر وأجمع كتاب من كتب المعتزلة وهو في علم الكلام وفي الضلال، والقاضيعبد الجبار هو: إمام المعتزلة المتأخرين، ولم يظهر في المعتزلة بعده مثله وحتى قبله النظام والعلاف كانا في الابتداء، وأكبر مصدر ومرجع للمعتزلة هو كتاب المغني.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015