فالشجرة إذاً ليست متكلمة لا بكلام تكلمت به، ولا بكلام خلقه الله تَعَالَى فيها، وإنما هي الموضع الذي سمع منه الكلام، وهذا واضح فيقول المُصْنِّف إِلَى قوله: نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [القصص: 30] فهل يمكن أن نقول الشجرة هذه العبارة؟ لا يمكن أبداً.

ولو قالت ذلك لكان قول فرعون (أنا ربكم الأعلى) وكلامها سواء‍!! بل كلام الإِنسَان الحي الناطق أولى بالقبول وأولى بأن يكون هو كلام الله أو أن يكون هو الحق والصدق من كلام الشجرة؛ لأن الإِنسَان يتكلم كما هو معلوم ففرعون أو غيره إنسان أعطاه الله الكلام فقوله: (أنا ربكم الأعلى) وقول الشجرة: إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [القصص:30]

إذاً: كلاهما كلام الله!!

لكن ما الذي فعلته المعتزلة عكست الموضوع! فقالوا كلام فرعونخلقه فرعون في نفسه، وكلام الله خلقه الله في الشجرة، سُبْحانَ اللَّه! انحرفت العقول وضلت حتى أصبحت تثبت أن الإِنسَان هو خالق فعل نفسه، فكلمة فرعون (أنا ربكم الأعلى) هو الذي خلقها في نفسه، فلماذا لا يكون كلام الله هو الذي تكلم به عَلَى الحقيقة؟

فعلى قولهم هذا الكلام كلام الشجرة والله خلقه فيها فهو منها وهو كلام الله، وليس لله كلام إلا ما نطقت به الشجرة، فجعلوا الحق في موضع الباطل، والباطل في موضع الحق، عافانا الله من الضلالة، ولايكون هذا التفريق إلا إذا كَانَ مرجع الإِنسَان إِلَى الهوى والتحكم الذي لا دليل عليه، وهذا لا يمكن أن يضبط، وتجده يُجحف دائماً فيما كَانَ لغيره، ولكن ما كَانَ له فإنه يراه هو الحق وهو الصواب، ويعمي بصره عن قبول ما سواه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015