فالحاصل أن الإمامعبد العزيز بن يحيى الكناني المكي لما بلغته مقالة القول بخلق القرآن قرر وعزم عزيمة العالم الذي يرى أنه لا بد أن يبرِّأ ذمته وأن يقيم الحجة وأنه لا يجوز له أن يكتم العلم: أن يرحل إلى بغداد ويناظر الخليفة ويقنعه ويقنع من في مجلسه، فذهب إلى بغداد وكانت المناظرة بين يدي المأمون وكان مما دار فيها مما يتعلق بالقرآن، هذه المسألة التي ذكرها الشيخ هنا، وهي أن بشراً وكذلك ضرار بن عمرو شيخ الضرارية وزميله يسمى برغوث من كبار المعتزلة المبتدعة ناظروا الإمام أحمد، وكان هؤلاء هم بطانة المأمون وحاشيته، وكأن هؤلاء كانوا يناظرون ويناقشون بالعقل والرأي والجدل وإلا فهل يعقل أن برغوثاً أوضراراً أو بشراً وغيرهم من النكرات يكون كالإمام أحمد في العلم أو في السنة، إن الذي يتميز به ضرار أو برغوث أو بشر أو أمثالهم بالحجة العقلية في نظرهم وأنهم قرؤوا كتب الأوائل ومنطقهم وفلسفتهم فيستطيعون بذلك أن يفحموا الإمام أحمد أو الكناني أو أي إنسان.
فلما تناظر عبد العزيز الكناني مع بشر بالقرآن وبالسنة أفحمه بطبيعة الحال لأن أولئك خلو من هذه الأمور جميعاً فعندئذ اقترح بشر وقال للمأمون: يا أمير المؤمنين ليدع مطالبتي بنص التنزيل، لا يناظرني بالقرآن ولا بالسنة، ويناظرني بغيره، يعني: بالجدل العقلي، فإن لم يدع قوله ويرجع عنه ويقر بخلق القرآن الساعة وإلا فدمي حلال.
فكان بشر واثقاً من نفسه ثقة قوية أنه في باب المناظرة بالعقل لن يستطيع الكناني ولا غيره أن يمشي معه ويجاريه، أما بالقرآن والسنة فنعم! لكن نريد أن نناظره بغير التنزيل فوافق الإمام الكناني
وقال: لا يمكن أن أُقِرَّ له أو أُظهرَ أنني لا أُحسن أيضاً المناظرة العقلية.
فقال له: نعم أوافق.
فقال: تسألني أم أسألك؟
فقال بشر: اسأل أنت وطمع فيَّ؛ لأنه قال ما الذي يمكن أن يسألني فيه؟