فلهذا لم يأت في القُرْآن والسنة لا إثبات الجسم ولا نفيه؛ بل هو أمر مسكوت عنه، ويجب علينا أن نسكت عنه ولا نخوض ولا نبحث فيه، ولا نتعرض لشيء مسكوت عنه، وإذا أثبتنا شيئاً لله فنثبت ما أثبته لنفسه ولا نزيد عليه، فلا نقول: جسم ولا غير ذلك من الزيادات، وإذا نفينا فننفي ما نفاه تَعَالَى عن نفسه في الجملة، ولا نقول: ليس بجسم، ولا بد أن نعلم أننا كلما تمسكنا بالوحي، فإننا نكون في عين اليقين، وبعيدين أيضاً عن كل شبهة، فالله عَزَّ وَجَلَّ أتى بدليل واضح بَيِّن عَلَى أن العجل لا يمكن أن يكون إلهاً فقال: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً [الأعراف:148] فالعجل له خوار لكن لا يتكلم بمعنى لا يهدي لا يقول كلاماً فيه هداية؛ فليس بإله.
يقول المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ: [فكان عباد العجل مع كفرهم] بل هم من أكفر خلق الله عَزَّ وَجَلَّ، لأنهم عبدوا العجل والنبي بين ظهرانيهم، وقد دعاهم إِلَى التوحيد فليسوا مثل الأمم الجاهلة، هذا غاية الكفر؛ لكن مع كفرهم [كانوا أعرف بالله من المعتزلة] ومن نفاة كلام الله جميعاً [فإنهم لم يقولوا لموسى: وربك لا يتكلم أيضاً] وإلا لأفحموا موسى عَلَى زعمهم، ولكنهم فهموا أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- يتكلم، وأنه كلم موسى، كما هو معلوم في القرآن، ونقول: إن هناك مناسبة بين قوله تعالى: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ [الأعراف:148] وبين ما يعلمه قوم موسى ويفخرون به من هذه الميزة العظيمة، وهي أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كلم موسى عَلَيْهِ السَّلام، وهذا لا شك مفخرة وميزة لكن كيف تثبتون أن الله كلم موسى نبيكم هذا ثُمَّ تعبدون العجل الذي لا يتكلم ولا يهدي؟! ومع ذلك فهَؤُلاءِ أعرف بالله من المعتزلة، ومن نفاة كلام الله -عَزَّ وَجَلَّ- وإلا لقالوا إن ربك لا يتكلم أيضاً، فلو كَانَ عباد العجل معتزلة أو كلابية لقالوا: إن ربك لا يتكلم.