فَيَقُولُ: [ولا يعارض نصه بقياس بل تهدر الأقيسة وتتلقى نصوصه] إذا كَانَ هذا في الفقه فما الظن في أمور الاعتقاد وأمور الغيب، حتى في الفقه لا شك أن النص يجب أن يقدم وذلك ضرورة عَلَى القياس؛ لأن القياس يقوم عَلَى النص ولهذا فضل شَيْخ الإِسْلامِ في رسالته تفضيل مذهب آراء أهل المدينة عَلَى أهل العراق لأن الأول: مبني عَلَى الحديث والنص، والثاني: عَلَى الرأي والقياس، ويدل عَلَى ذلك المناظرة التي جرت بين أبي يوسف الحنفي، والشَّافِعِيّ وكان شيخهمالك في الحديث وهو معلوم أنه كَانَ متبع للسنة ويعمل بعمل أهل المدينة، وأبو يوسف من تلاميذ الإمام أبي حنيفة على مذهب أهل العراق الذين يأخذون بالرأي.

فَقَالَ الشَّافِعِيّ أنشدك الله أصاحبنا أعلم بالقرآن أم صاحبكم؟ ‍

قَالَ: بل صاحبكم.

قَالَ: أنشدك الله أصاحبنا أعلم بالسنة أم صاحبكم؟

قَالَ: بل صاحبكم.

قَالَ: فعلى أي شيء يكون القياس إذا كنا أخذناه القاعدة من الكتاب والسنة، وكان هذا أعلم بالكتاب والسنة؛ فيقدم مذهبه؛ لأن القياس فرع لا يصار إليه إلا عند فقدان الأصل، كما لا يُصار إِلَى التيمم إلا عند فقدان الماء، وكان علماء السلف كالإمام أَحْمَد وإسحاق بن راهويه وأمثالهم من العلماء كابن المبارك، وابن عيينة ممن كانوا عَلَى الأثر، والحديث يعدون أهل الرأي من جملة أهل البدع الذين يردون الحديث بآرائهم، مع أن هذه مسألة أصولية اجتهادية.

فما بالكم بالذين جاؤوا من بعدهم وردوا الدين والغيبيات وأحوال اليوم الآخر وصفات الله بالأقيسة والعقول لا شك أن هَؤُلاءِ أشد بدعة وضلالاً من أُولَئِكَ فالتسليم للوحي هو الأصل الذي يجب أن يكون عليه كل مسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015