فالمعنى صحيح وحق وهذا هو المراد بهذه الآية، وهذا المعنى الذي يريد أن يقوله الله عَزَّ وَجَلَّ للكفار، وهذا هو الذي فهمه الصحابة من هذه الآيات، ولا يعني هذا نفي صفة اليد عن الله تعالى، فالمعنى الإجمالي للعبارة وللاستعمال شيء، ونفي الصفة التي تدل عليها لفظة من الألفاظ في هذه العبارة شيء آخر، فإذا قلنا مثلاً: المملكة بيد الملك أو الجامعة بيد المدير، المقصود بذلك أنها تحت أمره وتحت قدرته، فنقول: نعم كلامكم هذا صحيح يفهمه أي عربي أن المقصود بـ"المملكة بيد الملك": أن المملكة في ملكه وفي قدرته وتحت أمره، لكن من فهم من هذه العبارة -من قولك: إن المملكة بيده أو الجامعة بيده- أنه أقطع ليس له يدان، نقول: هذا فهم خاطئ جداً، فهم المجانين لأن هذا لا يمكن أن يُفهم من هذه العبارة.
وهم يقولون: ليس لله يدان، لأن معنى: بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1] وما أشبهها مثل قوله تعالى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10] معناها القدرة أو النصرة أو الحفظ فهذا خطأ، فمع أن للملك يده، وللمدير يده، لكن أيضاً الجامعة بيده والمملكة بيده، بمعنى: أنها تحت أمره وتحت حكمه وتحت قدرته هذا معنى واضح ولا تختلف العقول فيه؛ فكذلك نفهم هذا عَلَى ضوء لغة العرب.
ويقولون: إن القُرْآن نزل بلسان عربي مبين، كما قال الله عَزَّ وَجَلَّ، نقول: نعم، ونحن لا نتهم لغة العرب، ولا نخطئها، بل نتهم أفهامكم أنتم، فلغة العرب لا تقتضي نفي صفات الله عَزَّ وَجَلَّ، ولكن أنتم فهمتم منها ما يقتضي نفي صفات الله عَزَّ وَجَلَّ، وهكذا حتى في باب الكناية إذا قالوا -مثلاً-: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] يقولون: هذا كناية عن القهر والغلبة والتمكن إِلَى آخره، فنقول لهم: الكناية لا تنفي الحقيقة في لغة العرب، والبيت الذي يأتون به في البلاغة دائماً في الدلالة عَلَى الكناية بيت الخنساء، وهي ترثي أخاها صخراً تقول: