قال الإمامعبد العزيز المكي صاحب الإمام الشَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللهُ - وجليسه، في كتاب الحيدة الذي حكى فيه مناظرته بشراً المريسي عند المأمون حين سأله عن علمه تعالى: فَقَالَ بشر: أقول: لا يجهل.

فجعل يكرر السؤال عن صفة العلم، تقريراً له، وبشر يقول: لا يجهل، ولا يعترف له أنه عالم بعلم، فَقَالَ الإمام عبد العزيز: نفي الجهل لا يكون صفة مدح، فإن قولي هذه الأسطوانة لا تجهل، ليس هو إثبات العلم لها وقد مدح الله تَعَالَى الأَنْبِيَاء والملائكة والمؤمنين بالعلم، لا بنفي الجهل.

فمن أثبت العلم فقد نفى الجهل، ومن نفى الجهل لم يثبت العلم، وعلى الخلق أن يثبتوا ما أثبته الله تَعَالَى لنفسه وينفوا ما نفاه، ويمسكوا عما أمسك عنه.

والدليل العقلي عَلَى علمه تعالى: أنه يستحيل إيجاده الأشياء مع الجهل، ولأن إيجاده الأشياء بإرادته، والإرادة تستلزم تصور المراد، وتصور المراد: هو العلم بالمراد، فكان الإيجاد مستلزماً للإرادة، والإرادة مستلزمة للعلم، فالإيجاد مستلزم للعلم، ولأن المخلوقات فيها من الإحكام والإتقان ما يستلزم علم الفاعل لها؛ لأن الفعل المحكم المتقن يمتنع صدوره عن غير علم؛ ولأنُ من المخلوقات ما هو عالم، والعلم صفة كمال، ويمتنع أن لا يكون الخالق عالماً وهذا له طريقان:

أحدهما: أن يُقَالَ: نَحْنُ نعلم بالضرورة أن الخالق أكمل من المخلوق، وأن الواجب أكمل من الممكن، ونعلم ضرورة أنا لو فرضنا شيئين، أحدهما: عالم والآخر: غير عالم، كَانَ العالم أكمل، فلو لم يكن الخالق عالماً لزم أن يكون الممكن أكمل منه، وهو ممتنع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015