فالله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنزل القُرْآن بمقتضى ما علمه وقدره، مِنْ أن عناد هذا الرجل لن يجعله يوماً من الأيام يتوب إِلَى الرشد ويسلم، فيظل أبو لهب عَلَى الكفر حتى يموت، فهذا علمه الله عَزَّ وَجَلَّ وقدره، ومن المحال أن يقع شيءٌ خلاف ما قدره الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وليست المسألة بهذا الإشكال الذي يجعل الإِنسَان عندما يعجز عنها أو تواجهه القضية يتمنى أن هذه الآية ليست موجودة، أو أن هذا الحديث لم يصحَّ عن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
بل الذي يتحتم عند مرور الآية والحديث الصحيح أن نتلقى ذلك بالإيمان، وبالقبول، وبالتصديق؛ فإن أشكل علينا شيء في معنى أحدهما رددناه إِلَى أولي العلم من الأحياء، أو من الأموات من خلال كتبهم، فإن لم يكن بعد ذلك معرفة رددنا علمه إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويجب أن نعترف دائماً بعجزنا، وجهلنا، وقصورنا، عن فهم كثير مما جَاءَ به الوحي. هذا هو نهاية الاستطراد ثُمَّ بعد ذلك ينتقل المُصْنِّف إِلَى إعراب قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] .
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
[وفي إعراب كمثله وجوه، أحدها أن الكاف صلة زيدت للتأكيد.
قال أوس بن حجر:
ليس كمثل الفتى زهير
خلق يوازيه في الفضائل
وقال آخر:
ما إن كمِثْلِهِمُ في النَّاس من بشر
وقال آخر:
وقَتْلى كمثل جذوع النخيل
فيكون (مثله) خبر (ليس) ، واسمها (شي) .
وهذا وجه قوي حسن، تعرف العرب معناه في لغتها، ولا يخفى عنها إذا خوطبت به، وقد جَاءَ عن العرب أيضاً زيادة الكاف للتأكيد في قول بعضهم: (وصاليات ككما يُؤْثَفَين) .
وقول الآخر:
فأصبحت مثلَ كعصف مأكولِ
الوجه الثاني: أن الزائد مثل أي: ليس كهو شيء، وهذا القول بعيد؛ لأن "مثل" اسم، والقول بزيادة الحرف للتأكيد أولى من القول بزيادة الاسم.