إما أن يقول بأن الفعل لم يزل ممكناً، وإما أن يقول لم يزل واقعاً، وإلا تناقض تناقضاً بيناً، حيث زعم أن الرب تَعَالَى لم يزل قادراً عَلَى الفعل، والفعل محال ممتنع لذاته، لو أراده لم يمكن وجوده، بل فرض إرادته عنده محال. وهو مقدور له، وهذا قول ينقض بعضه بعضاً.

والمقصود: أن الذي دل عليه الشرع والعقل أن كل ما سوى الله تَعَالَى محدث كائن بعد أن لم يكن. أما كون الرب تَعَالَى لم يزل معطلاً عن الفعل ثُمَّ فعل، فليس في الشرع ولا في العقل ما يثبته، بل كلاهما يدل عَلَى نقيضه] اهـ.

الشرح:

معنى قول المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ: أن من اعترف بأن الرب -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- قادر، وأن هذه القدرة من صفاته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -وكل المتكلمين عن الإسلام إلا من شذ يقولون ذلك- إما أن يقول: إن الفعل لم يزل ممكناً، فإن قَالَ: نعم. إن العقل يقتضي أنه ممكن، قلنا: هذا هو المطلوب، فلا جدال إذاً بيننا وبينك، وإن قَالَ: لا، إنه لم يزل الفعل واقعاً، قلنا هذا تناقض، يعني: إذا قلت أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قديرٌ عَلَى كل شيء، وفعله أو مقدوره وقع وحصل، وأنه متصف بالقدرة أزلاً وأبداً، فكيف تنفي أنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم يخلق، ولم يكن له هذه المقدورات أو هذه المخلوقات؟ أو أنه في وقت من الأوقات كَانَ فعلُ المقدور ممتنع؟ وإن قلت: إنه واقع فهذا زيادة في الإثبات أكثر، وهو أنه كَانَ واقعاً.

وننبه إِلَى قضية وهي: أن الفلاسفة تصوروا أن العالم كله أو أن بعضه قديم، ويجعلون الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- علة فقط، وليس خالقاً مريداً، وكذبهم واضح من كلامهم؛ لأن العلة تستلزم وجود المعلول، فلو كَانَ مجرد علة لوجدت جميع المخلوقات دفعة واحدة، أما وأن هناك من يحي ويموت، ثُمَّ يحي غيره ثُمَّ يموت هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ [فاطر:39] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015