قوله رَحِمَهُ اللهُ: [مميت بلا مخافة باعث بلا مشقة] ، هذا استمرار للنعوت والصفات في حق الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فهو يحي ويميت سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من يشاء بلا مخافة، ولا يبالي متى أهلكه، وإنما جَاءَ في حق العبد الصالح المؤمن المتقرب إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أن الله تَعَالَى يقول كما في الحديث القدسي: (وما ترددت في شيء كترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، هو يكره الموت وأنا أكره مساءته) أما غير ذلك فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يبالي بأن يهلك أياً كَانَ من المخلوقين، وهو كذلك "باعث بلا مشقة" يبعثهم سبحانه تَعَالَى بلا مشقة.

قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ: إن الموت صفة وجودية، خلافاً للفلاسفة ومن وافقهم من متكلمي الْمُسْلِمِينَ؛ فإنهم يقولون: الموت ليس شيئاً وجودياً، إنما هو شيء عدمي لا وجود له، فعدم الموت عندهم هو عدم الحياة.

لأن الله تَعَالَى يقول: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2] خلق الموت وخلق الحياة يعني: أن هذا أمر وجودي مخلوق؛ لأن العدم لا يوصف بكونه مخلوقاً، (أنه يؤتي بالموت يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنَّار) فيذبح الموت بهذا الشكل، حتى يستيقن كلٌ من هَؤُلاءِ وهَؤُلاءِ بالخلود، ويعلم أهل الجنة أنهم في نعيم ولا فناء ولا موت ولا خروج، ويعلم أهل النَّار أنهم في شقاء وعذاب أبدي؛ إلا من ورد في حقه الخروج من العصاة في شفاعة النبيين والصالحين، أو بتحنن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليهم من بعد ذلك.

فالموت إذن أمر وجودي، ولهذا يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد: يا أهل الجنة! فيشرئبون وينظرون، فَيَقُولُ: هل تعرفون هذا الكبش؟ فيقولون: نعم.

هذا الموت وكلهم قد رآه، فيذبح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015