الإمام أحمد.

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ومما يوضح هذا: أن العلم الإلهي لا يجوز أن يستدل فيه بقياس تمثيلٍ يستوي فيه الأصل والفرع، ولا بقياسٍ شمولي يستوي أفراده، فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء، فلا يجوز أن يمثل بغيره، ولا يجوز أن يدخل هو وغيره تحت قضية كلية يستوي أفرادها، ولهذا لما سلكت طوائف من المتفلسفة والمتكلمة مثل هذه الأقيسة في المطالب الإلهية، لم يصلوا بها إلى اليقين، بل تناقضت أدلتهم، وغلب عليهم بعد التناهي الحيرة والاضطراب، لما يرونه من فساد أدلتهم أو تكافئها.

ولكن يستعمل في ذلك قياس الأولى، سواء كان تمثيلاً أو شمولاً، كما قال تعالى: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى [النحل:60] .

مثل أن يعلم أن كل كمال ثبت للممكن أو للمحدث لا نقص فيه بوجه من الوجوه ـ وهو ما كان كمالاً للوجود غير مستلزم للعدم بوجه ـ: فالواجب القديم أولى به.

وكل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه، ثبت نوعه للمخلوق المربوب المدبر، فإنما استفاده من خالقه وربه ومدبره، فهو أحق به منه، وأن كل نقص وعيب في نفسه، وهو ما تضمن سلب هذا الكمال، إذا وجب نفيه عن شيء من أنواع المخلوقات والممكنات والمحدثات، فإنه يجب نفيه عن الرب تعالى بطريق الأولى.

ومن أعجب العجب: أن من غلاة نفاة الصفات الذين يستدلون بهذه الآية الكريمة على نفي الصفات أو الأسماء. ويقولون: واجب الوجود لا يكون كذا، ولا يكون كذا، ثم يقولون: أصل الفلسفة هي التشبه بالإله على قدر الطاقة، ويجعلون هذا غاية الحكمة ونهاية الكمال الإنساني، ويوافقهم على ذلك بعض من يطلق هذه العبارة، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تخلقوا بأخلاق الله) ، فإذا كانوا ينفون الصفات، فبأي شيء يتخلق العبد على زعمهم؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015