ولهذا نبه المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ عَلَى هذه القضية فقَالَ: وليس المراد نفي الصفات كما يقول أهل البدع، فمن كلام أبي حنيفة رَحِمَهُ اللهُ في الفقه الأكبر: لا يشبه شيئاً من خلقه، ولا يشبهه شيء من خلقه، ثُمَّ قال بعد ذلك: وصفاته كلها بخلاف صفات المخلوقين، يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا، فالإمام أبو حنيفة يثبت لله الصفات وينفي التشبيه، وهذا هو مذهب أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ عامة، لكن بدأ بالإمام أبي حنيفة؛ لأن الإمام أبا جعفر الطّّحاويّ حنفيٌ، ولأن الذين شرحوا العقيدة وأولوها عن معانيها هم من الأحناف.

وقال نعيم بن حماد رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ -شيخ الإمام البُخَارِيّ في مصر وإن كَانَ في روايته ضعف- وهو من أشد النَّاس عَلَى الجهمية، فلما سُئل عن ذلك؟ قَالَ: لأني كنت عَلَى منهجهم في أول أمري، فلما تعلمت الحديث عرفت الحق، فكان من أشد علماء الحديث والسنة عَلَى أهل البدع، لأن من عرف بدعة من البدع ثُمَّ هداه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للرجوع إِلَى حقيقة الدين فإنه يكون أشد عَلَى أهلها ممن لا يعرفها.

قال -أي- نعيم بن حماد -: "من شبه الله بشيء من خلقه فقد كفر ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه"، فهذا كلام واضح وجلي بأن نفي الصفات شيء، وإثبات الصفات شيء، والتشبيه شيء آخر، فالمشبه هو الذي يقول: يد كيدي، أو رجل كرجلي، أو نزول كنزولي، وأما المثبت: فهو الذي يثبت ما يليق بجلاله فَيَقُولُ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير [الشورى:11] ، فيثبت له الصفات وينفي عنه التشبيه، كما جَاءَ في الكتاب والسنة.

وكيف يقولون: إن من شبه الله تَعَالَى بخلقه فقد كفر، ثُمَّ يكونون مشبهة؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015