وفي الصحيح من حديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاًقال: فيقول الله تعالى: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضةً من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط الحديث] اهـ.
الشرح:
هذا النوع من أنواع الشفاعة هو الذي وقع فيه الخلاف بين أهل السنة وبين أهل الضلال والبدعة، واشتد النزاع بينهم، ولا يزال أهل البدع إلى اليوم ينكرون هذه الشفاعة، ويمارون ويجادلون فيها، رغم ثبوتها بالأحاديث الصحيحة المتواترة، ورغم أن دلالتها على كرم الله تعالى وفضله أعظم مما يُخيل إليهم أن فيها ما ينقص وما يغض من قدر الإلهية، لأن الله سبحانه وتعالى لا يحسن به -كما يقولون-: إلا أن يعاقب المذنب؛ بل قالوا: يجب عليه ذلك، كما تجرأ على ذلك من تجرأ.
هذه الشفاعة ليست خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم
هذا النوع من الشَّفَاعَةِ وهو: إخراج أهل الكبائر من النَّار بعد أن دخلوها، ليست خاصة بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بل هي أيضاً للملائكة ولعباد الله الصالحين، وفي هذا دليل عَلَى فداحة الخطأ الذي ذهب إليه من أنكرها، وقد سبق أن ذكرنا أن المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ استدل عَلَى هذا النوع بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (شَفَاعَتِي لِأهْلِ الكَبائِرِ مِنْ أُمَّتي) ، والحديث بهذا اللفظ من جهة المعنى لا شك أنه صحيح، لأن الأحاديث في أن الشَّفَاعَة ثابتة لأهل الكبائر كثيرة جداً.
لكن هذه اللفظة قد تشعر بالاختصاص كأنه يقول: (شَفَاعَتِي لِأهْلِ الكَبائِرِ مِنْ أُمَّتي) وهي ليست كذلك وإن كانت قد تشعر بذلك، فالشَّفَاعَة ليست خاصة بأهل الكبائر بل هي أنواع -كما سبق- وهذا الحديث بهذا اللفظ ضعفه بعض العلماء، وبعضهم مال إِلَى تصحيحه أو تحسينه لكثرة شواهده وطرقه، ومن قال بصحته فهو مصيب لتعدد طرقه من جهة ولصحة معناه وثبوته في الأحاديث الصحيحة المتفق عَلَى صحتها من جهة أخرى.