وهمُ السلف الصالح الذين يعرفون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويحبونه ويقدّرونه أعظم منا، مع أنهم لم ينكروا أنه سيد ولد آدم، كما جَاءَ في الحديث، ولكنهم لم يستخدموه شعاراً ولقباً، فنقف حيث وقف القوم.
والأمر الآخر: الذي يظهر أن هذا اللفظ ليس فيه زيادة توقير، ولا زيادة تعظيم للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن العرب وجميع الأمم تسمي كل من يتزعمها سيداً لها، كَانَ يُقَالَ: أبو سفيان سيد قريش، والأقرع بن حابس سيد بني تميم، وفلان سيد بنى حنيفة، وفلان سيد بنى كذا من قبائل العرب، فليس هناك غرابة أن يقَالَ: فلان سيد قبيلة، أو أمة من الأمم، بل لما جَاءَ الرسل من الفرس إِلَى الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانوا يحلقون اللحية ويطيلون الشارب، فَقَالَ لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أمركم بهذا، قالوا: أمرنا ربنا أي: ملكهم كسرى، ومعنى ربنا أي: سيدنا، كما جَاءَ في القرآن: وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ [يوسف:25] .
أي: زوجها وصاحبها، فالمقصود أن هذه الكلمة تطلق عَلَى من يملك عبداً مملوكاً رقيقاً، فيقال له: هذا سيد فلان المملوك، وتقول للزعيم أو للأمير الذي تنتمي إليه هذا سيدنا، ويقول إنسان لأي إنسان آخر ينتمي، إِلَى أمة من الأمم: فلان سيد بني فلان، أو فلان سيد الدولة الفلانية أو الطائفة الفلانية، فليس في هذه العبارة ميزة اختصاص أو تفضيل، اللهم إلا أن هذا الرجل مفضل عَلَى قومه.
وعلى هذا يفهم من قولنا: فلان سيد بني تميم أنه سيد في حدود قرية بني تميم، وأن هذا أفضل رجل فيهم، فإذا قال بنو تميم: سيدنا الأقرع أو سيدنا فلان، وقال أصحابُ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيدنا مُحَمَّد استويا! وليس الأمر كذلك، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعظم من ذلك، فلقبه أو اسمه أو صفته أعظم من كونه سيداً التي يفهم منها الزعامة الدنيوية العادية.