ولا ريب أن الله تَعَالَى قد رفع له ذكره، وأظهر دعوته، والشهادة له بالنبوة عَلَى رؤوس الأشهاد في سائر البلاد، ونحن لا ننكر أن كثيراً من الكذابين قام في الوجود، وظهرت له شوكة، ولكن لم يتم أمره، ولم تطل مدته، بل سلط الله عليه رسله وأتباعهم، فقطعوا دابره واستأصلوه.

هذه سنة الله التي قد خلت من قبل، حتى إن الكفار يعلمون ذلك، قال تعالى: أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ [الطور:30-31] أفلا تراه يخبر أن كماله وحكمته وقدرته تأبى أن يقر من تقوَّل عليه بعض الأقاويل؛ بل لابد أن يجعله عبرة لعباده.

كما جرت بذلك سنته في المتقولين عليه، وقال تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ [الشورى: 24] ، وهنا انتهى جواب الشرط، ثُمَّ أخبر خبراً جازماً غير معلق: أنه يمحو الباطل ويحق الحق، وقال تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْء [الأنعام:91] فأخبر سبحانه أن من نفى عنه الإرسال والكلام لم يقدره حق قدره] اهـ.

الشرح:

استمرار دعوته صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دليل عظيم لمن تأمله وفطن إليه وفقهه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فتفكر في حقيقة أمر النبوة، وأمر النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة، أياً كَانَ دينه، نقول هذا للمسلم ولغير المسلم.

ولنفترض أن هذا النبي -كما يقول الكاذبون والمرجفون- ليس موحاً إليه من عند الله، فكيف يأتي فيدعي النبوة وهي دعوى عظيمة، ثُمَّ يأتي فيستمر ثلاثاً وعشرين سنة وأمره مؤيد ظاهر؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015