فلما رأينا الأمر كذلك جئنا إليك، وهاجرنا إِلَى بلادك؛ لعلمنا أنك ملك عادل لا يظلم أحد في جوارك، وهاهم قد أرسلوا إليك يطلبوننا فهذا هو شأننا معهم، فَقَالَ لهم النجاشي: هل عندكم مما جَاءَ به شيء؟ ... الخ الشاهد أن النجاشي الآن سمع الدعوى -دعوى النبوة- فيريد شيئاً يستدل به، وتأملوا كيف سيكون الدليل عَلَى صدق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الدليل: جزء من الدعوى؛ لأنه نفس القُرْآن وهو مما كذب به الكفار، وَقَالُوا: إنه قول شاعر أو ساحر أو كاهن أو كذا أو كذا، مما قالوا، فما الدليل أن هذا القُرْآن من عند الله؟ العادة لمثل هذه القضايا أن المسألة تحتاج إِلَى دليل خارجي؛ لأن هذا القُرْآن جزء من المشكلة الدائرة بين الْمُشْرِكِينَ وبين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكيف يأتون بهذه الدعوة ويجعلونها دليلاً أو يقدمونها؟

الجواب: أن أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقدموها كدليل وإنما هي ذاتها دليل، هم قرءوا عليه جزءاً من أول سورة مريم، فلما سمع ذلك اخضلت عيناه بالدمع، وتلفت عمرو وعبد الله، وإذا بالقساوسة أيضاً تخضل لحاهم من الدمع، وإذا بهم يخشعون ويخضعون، سُبْحانَ اللَّه! وفيهم من لا يعرف اللغة العربية، وربما لا يترجم لهم شيئاً منها، وهذا القُرْآن هو نفسه القضية المختلف فيها كَانَ يمكن أن يقول: ما الدليل عَلَى أنه من عند الله لكن: اليقين أكبر من أنه يحتاج إِلَى دليل، فالدعوى نفسها تحمل دليلها في ذاتها، ومتى عرف العرب مثل هذا الكلام؟ وهذا الكلام لا يدخل للآذان، إنما يدخل إِلَى القلوب مباشرة، سواءً من يعرف لغة العرب أو من لا يعرفها، سُبْحانَ اللَّه!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015