وأما الإثبات، فهو قليل، وهي أنه عالم قادرٌ حيٌ، وأكثر النفي المذكور ليس متلقى عن الكتاب والسنة ولاعن الطرق العقلية التي سلكها غيرهم من مثبتة الصفات، فإن الله تَعَالَى قَالَ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] ففي هذا الإثبات ما يقرر معنى النفي، ففهم أن المراد انفراده سبحانه بصفات الكمال، فهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى موصوف بما وصف به نفسه، ووصفه به رسله، ليس كمثله شيء في صفاته ولا في أسمائه ولا في أفعاله، مما أخبرنا به من صفاته، وله صفات لم يطلع عليها أحد من خلقه، كما قال رسوله الصادق صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دعاء الكرب: (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القُرْآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي) .
وسيأتي التنبيه عَلَى فساد طريقتهم في الصفات إن شاء الله تعالى.
وليس قول الشيخ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: [ولا شيء يعجزه] من النفي المذموم، فإن الله تَعَالَى قَالَ: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً [فاطر:44] .
فنبه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في آخر الآية عَلَى دليل انتفاء العجز، وهو كمال العلم والقدرة، فإن العجز إنما ينشأ إما من الضعف عن القيام بما يريده الفاعل، وإما من عدم علمه به، والله تَعَالَى لا يعزب عنه مثقال ذرة، وهو عَلَى كل شيء قدير، وقد علم ببدائه العقول والفطر كمال قدرته وعلمه، فانتفى العجز، لما بينه وبين القدرة من التضاد؛ ولأن العاجز لا يصلح أن يكون إلهاً، تَعَالَى الله عن ذلك علواً كبيراً] اهـ.
الشرح: