ثُمَّ يقول: [حصل فيه الشر بسبب هذا العدم الذي ليس إِلَى الفاعل، وإنما إليه ضده] فهذا إيضاح لما تقدم، وهو أن كونه خلقه الله عَزَّ وَجَلَّ لا يعني أنه من هذه الصفة أو الجهة شراً، لكن من جهة أن صاحبه فعله يكون شراً بعد قيام الحجة عليه. ووجود أسباب الهداية بين يديه، فلو أنَّ أحداً فعل ذنباً محرماً، وهو لا يعلم، كَانَ يكون معذوراً بأي سبب من أسباب العذر.
فإن جهة الشر أيضاً تنتفي منه من الناحية الشرعية، أي أنه لا يسمى شراً شرعاً إلا ما كَانَ متوفراً فيه الشروط التي وضعها الشرع، لاعتبار ذلك شراً أو جريمة أو منكراً أو معصية، فإذا حصلت ولم يتوفر شروطها لعارض من العوارض أو سبب من الأسباب، فإن ذلك لا يكون شراً ولا مكروهاً، مثل حال بعض أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين كانوا يعذبون، حتى أن أحدهم يمر به الجعل، وهو الحيوان المعروف، فيقول له الكفار: قل هذا ربي.
فَيَقُولُ: من شدة التعذيب والأذى والتعب: هذا ربي، وهذا الكلام في ذاته شر، لكنه شرعاً ليس بشر، لأن الله تَعَالَى يقول: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَان [النحل:106] فهو لم يقل الكفر عَلَى جهة الإنكار للحق والعناد، وإنما قاله وهو مكره، إذاً مجرد الخلق والوقوع والتقدير ليس بشر، وإنما لتوفر أسباب وشروط تجعله شراً أو تجعله خيراً.