أورد القدرية إشكالاً وهو قول المصنف: [فإن قيل: لم تنقطع نسبته إليه خلقاً ومشيئة] أي: من حيث أن الله خلقه وشاءه وأوجده، لأن الله تَعَالَى خالق كل شيء، فلا يكون في الكون شيء إلا بإرادة الله ومشيئته، فيقولون: إذاً هذا شر، فلم تنقطع نسبته إِلَى الله من جهة كونه خلقاً ومن جهة كونه مشيئة لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قَالَ المُصْنِّفُ راداً عليهم: [قيل: هو من هذه الجهة ليس بشر] هذا الفعل من جهة الخلق، والمشيئة، ليس بشر [فإن وجوده هو المنسوب إليه، وهو من هذه الجهة ليس بشر] وجود الأشياء من حيث هي موجودة [كالنفوس الشريرة] وجودها وحركتها في ذاتها ليس بشر.
ثُمَّ يقول: [والشر الذي فيه، من عدم إمداده بالخير وأسبابه] هذا مثل ما ذكر المُصْنِّف سابقاً حيث قَالَ: [فإن أعينت بالعلم وإلهام الخير تحركت به، وإن تُرِكت تحركت بطبعها إِلَى خلافه] إذاً: الشر إنما جَاءَ من عدم إعانتها بالخير، أي من كونها وكلت إِلَى طبائعها، وإلى ذواتها، وهكذا، لو أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وكلنا إِلَى أنفسنا لهلكنا، ولهذا كَانَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأل الله أن لا يكله إِلَى نفسه طرفة عين، فالكفار خلى الله بينهم وبين أنفسهم فخذلوا خذلاناً بيناً، وليس ذلك لأن وجودهم شر، فإن الله سبحانه خلقهم، فخلقه ومشيئته في إيجادهم وخلقهم هو خير، وإنما جاءهم الشر من جهة أنهم خُذلوا، لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم يمدهم بأسباب الهداية، فتركوا لأنفسهم، فجاء الشر من أنفسهم، ومن شياطينهم، ومن أعمالهم التي ارتكبوها.