لا يوجد مسلم يرضى بالمنكر، لأنه ليس وراء الإنكار بالقلب من الإيمان مثقال ذرة، وقد لا يستطيع الإِنسَان أن يغير باليد أو باللسان، لكنه لا بد أن يكرهه بقلبه، فلا يوجد مؤمن يرضى المنكر بقلبه، فإذا جَاءَ أحد وقَالَ: أنا مؤمن وأكره هذه المنكرات، لكن من جهة أنها صدرت من الله، وأن لله تَعَالَى حكمة في صدورها، فأنا أرضى عنها من هذه الجهة، لا من جهة أني أقرها ولا أكرهها، لكن هناك فرق عن كونها ذنباً إِلَى كونها مصيبة، فأكل الربا أو شرب الخمر أو الزنا أو التبرج، إذا نظرت إليها من جهة أنها ذنوب فموقفك منها الإنكار المطلق، لكن إذا نظرت إليها من جهة أنها مصائب، فأنا من هذه الجهة راضي بالقدر، لكن لا يرضى من جهة المعصية، فالجهة منفكة، والمصنف رَحِمَهُ اللَّهُ لم يأت بجواب حاسم في المسألة، ولهذا وضحناها وقلنا: إنه يمكن أن تُرضى من جهة كونها مصيبة لا من جهة كونها معصية، فالجهتان تختلف.

نعم المعصية هي في نفس الوقت مصيبة، لكن كونها معصية لا ترضى، والمصنف رَحِمَهُ اللَّهُ هنا رد الأمر إِلَى أصل آخر ليبين لنا كيف نفهم هذه القضية وأمثالها، يقول: [فاعلم أن الشر كله يرجع إِلَى العدم] الشر كله مرجعه إِلَى عدم الخير، وعدم الأسباب المفضية المؤدية إليه، فهو من هذه الجهة شر، وأما من جهة وجوده المحض فلا شر فيه، ووضح ذلك، بأن النفوس الشريرة وجودها خير من حيث هي موجودة، والنفوس الشريرة، أتاها الشر بقطع مادة الخير عنها، فإنها في الأصل خلقت متحركة، فأصل وجود إبليس كمخلوق من خلق الله، ويتحرك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015