ثُمَّ قَالَ المُصْنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: [وعبودية الاستعاذة بالله أن يجيره من عدوه ويعصمه من كيده وأذاه] وجود إبليس يكون فيه عبودية من جهة، فالإِنسَان المسلم يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في كل وقت ويقرأ الأدعية ويذكر الله، ويخاف من أذى هذا اللعين، ويقرأ المعوذات التي تعيذه من الشيطان، ويخاف من هذا العدو أن يباغته فيدله عَلَى شر أو يقحمه في ذنب، كل هذا يجعل المؤمن متصلاً بالله عَزَّ وَجَلَّ، دائماً ذاكراً لله متيقظاً مراقباً لنفسه ولأحواله من هذا العدو، فحصل بوجود هذا العدو خير، وعبوديات لله سبحانه تَعَالَى ما كانت لتحصل لولا هذا العدو، وهكذا.

فَيَقُولُ: [إِلَى غير ذلك من الحكم التي تعجز العقول عن إدراكها] إذاً نقول: وجود إبليس ووجود الشر الذي يقود هَؤُلاءِ القدرية إِلَى أن يقولوا: إنه لا يمكن أن يقع أو ينسب الشر إِلَى الله، وأنه لا يقع بمشيئة الله، نقول لهم: بل وجوده فيه من الحكم العظيمة، ما تعجز العقول عن إدراكها.

قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ:

[فإن قيل: فهل كَانَ يمكن وجود تلك الحكم بدون هذه الأسباب؟

فهذا سؤال فاسد! وهو فرض وجود الملزوم بدون لازمه، كفرض وجود الابن بدون الأب. والحركة بدون المتحرك، والتوبة بدون التائب.

فإن قيل: فإذا كانت هذه الأسباب مرادة لما تفضي إليه من الحكم، فهل تكون مرضية محبوبة من هذا الوجه، أم هي مسخوطة من جميع الوجوه؟ قيل: هذا السؤال يرد عَلَى وجهين: أحدهما: من جهة الرب تعالى، وهل يكون محباً لها من جهة إفضائها إِلَى محبوبه، وإن كَانَ يبغضها لذاتها؟ والثاني: من جهة العبد، وهو أنه هل يسوغ له الرضى بها من تلك الجهة أيضا؟؟ فهذا سؤال له شأن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015