وهذا من دقيق فهم ابن أبي العز "الشارح" رحمه الله، وهو أن الله سبحانه وتعالى إذا وصف بنفي شيء، فإنما يكون لكمال ضده، فكل آية فيها نفي يأتي بعدها ما يدل على الكمال، كما قال: وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوب [ق:38] وذلك لكمال قدرته سبحانه وتعالى في خلق السماوات والأرض، وقال: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْم [البقرة:255] لكمال حياته وقيوميته التي وردت في أول الآية، وقال: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ [الأنعام:103] أي: لكمال جلاله وعظمته أن يحيط بها أي شيء.

فالنفي الصرف المطلق لا يقتضي المدح، أي: لا مدح فيه في لغة العرب، قال أحد الشعراء يهجو قبيلة:

قبيلة لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل

فهذا ليس مدحاً لهم، وإنما أراد أن يقول: إنهم ضعفاء عاجزون لا يؤذون أحداً لضعفهم، ولا يغدرون إذا عاهدوا، ولا يظلمون الناس ولو حبة خردل لضعفهم وجبنهم، كما قال المتنبي:

والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم

أي: أن هناك علة، كعدم قدرة أو خوف، وذلك لأن الظلم من شيم النفوس، وهذا هو المعنى الجاهلي، وكما قال آخر:

لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ليسوا من الشر في شيء وإن هانا

كأن ربك لم يخلق لخشيته سواهم من جميع الناس إنسان

أي: كأن الله لم يخلق أحداً يخافه إلا قومه، ينفي عنهم الشر، وهذا ليس مدحاً لقومه، بل يهجوهم ويتهمهم بالضعف والخور والجبن والعجز.

فالله سبحانه وتعالى وهو أعظم من يُوصف ويُثنى عليه الثناء اللائق بجلاله، لا يوصف بمجرد السلوب.

فلا نقول: لا يظلم فقط؛ وإنما: لا يظلم لكمال عدله، والذين يصفون الله بالنفي المجرد فقط فقد وقعوا في ضلال في صفات الله سبحانه وتعالى، ووقعوا في إساءة الأدب مع الله سبحانه وتعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015