مثلاً: الحج إِلَى بيت الله يركب الإِنسَان في بعض المناطق الباخرة شهوراً، أو يركبون السيارة أياماً وليالٍ، فهذا لا يريد المشقة لذاتها لكن لكونها توصل إِلَى المراد، وإلى المحبوب، أي: إِلَى بيت الله العتيق يستلذها ويستعذ بها، فهي من جهة ذاتها مشقة، ولكن بالنظر إِلَى غايتها ونتيجتها كأنها راحه فيتحملها، فهذه الثلاثة الأمثلة تدل عَلَى أنه لا تنافي بين أن يكون الشيء محبوباً، أو مكروهاً في ذاته، ومع ذلك هو محبوب أو مراد لغيره ليوصله إِلَى النتائج المرجوة منه.
العاقل يعمل بغالب الظن
يقول رَحِمَهُ اللَّهُ: [بل العاقل يكتفي في إيثار هذا المكروه وإرادته بالظن الغالب وإن خفيت عنه عاقبته] ، أي: لو قال الطبيب لأحد المرضى: بتر العضو المتآكل نسبة الشفاء فيه (70%) أو (80%) فإنه سيختار القطع، مع أنه لم يجزم، فلم يقل له (100%) ، لكن (70%) أحياناً أو (50%) ، فسيوافق عَلَى القطع، لاحتمال أن الخمسين الأخرى تغلب.
إذاً العاقل يعمل بغالب الظن، وربما بالظن في تحمل مالا يريد وما لا يحب فيحبه، لما يوصل إليه من محبوب متيقن أو متحقق، يوافق عليه ويقره؛ لأنه يوصل وينتج ما هو محبوب للعبد، هذا في حال العبد، فالعبد المخلوق لو قيل له في أمر من الأمور: هذا نافع (100%) فإنه لا يجزم بذلك؛ لأنه مخلوق، لكن بالنسبة إِلَى الخالق سبحانه فإنه بالنسبة إِلَى ما يعلمه الله مما قد نعلمه هو كله خير وكله مصلحة، ومتحقق فيه مراد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لأنه لا تخفى عليه خافية، وهو يعلم السر وأخفى، ويعلم كل شيء وما تكون عاقبته.