فنتبين بهذا بطلان مذهب القدرية ولو كَانَ المناظر سنياً، لأجابه ببساطة: إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شاء منك المجوسية، ولكنه أمرك بالإسلام. ولا تعارض بين الأمر الكوني والأمر القدري الذي هو المشيئة، لكن الغالب في هذه المناظرة هو المجوسي؛ لأنه هو الذي قطع حجة القدري. ومما يدل أيضاً عَلَى بطلان هذه العقيدة الضالة قصة الأعرابي مع شيخ الاعتزال عمرو بن عبيد.

واللالكائي -رَحِمَهُ اللَّهُ- الذي ذكر هذه الوقائع، أفرد لعمرو بن عبيد ورؤساء المعتزلة باباً بيَّن فيه ما نقله العلماء من سوء عقيدتهم، وقد كَانَ السلف يحذرون من عمرو بن عبيد، ويحذرون من الجلوس معه، عَلَى ما كَانَ فيه من العبادة والزهد والتقشف، حتى كَانَ ضامراً من شدة العبادة، وكان لا يأكل إلا أقل القليل من متاع الدنيا، فجاء الأعرابي عَلَى حلقة فيها عمرو بن عبيد وخُدع الأعرابي بمظهرعمرو، وبما يُقال عنه من العبادة، ورأى عَلَى ظاهره علامات التعبد الطويل.

فَقَالَ له: يا هَؤُلاءِ: إن ناقتي سرقت فادعوا الله أن يردها عليّ، فتقدم عمرو ليدعو الله عَلَى أساس أنه أصلح الموجودين وأتقاهم، الذي لو دعا لأُجيب من ولايته وصلاحه فقَالَ: اللهم إنك لم ترد أن تسرق ناقته فسرقت فارددها عليه. نزه الله عن الشر وإرادة المعاصي، ولكن الأعراب فيهم الذكاء السريع والبديهة الحاضرة فبدون أن يتكلف، وبدون أن يفكر قَالَ: لا حاجة لي في دعائك، قَالَ: لماذا؟ قَالَ: أخاف كما أراد أن لا تسرق فسرقت، أن يريد أن يردها فلا ترد، وذهب الأعرابي وتركه، فلو كَانَ لدى عمرو بن عبيد إيمان حق وصدق ويريد الحق لكفاه كلام هذا الأعرابي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015