ومعناها الذي أخبر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى به، وفي قوله تعالى بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف:172] سواء كانت قراءتنا في الآية شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا فيكون المعنى وأنطقناكم واستشهدناكم عَلَى الربوبية أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أو قرأناها بَلَى شَهِدْنَا فتكون كلمة شَهِدْنَا هنا من قول الذرية، ثُمَّ قال تعالى: أَنْ تَقُولُوا أي: فعلنا ذلك وأخذنا الإقرار منكم لكي لا تقولوا يَوْمَ القِيَامَةِ إنا كنا عن هذا غافلين، فلا عذر ولا حجة لِمَنْ يأتي يَوْمَ القِيَامَةِ، وقد عَبَدَ غيرَ اللهِ تَعَالَى بأن يقول: إني كنت في غفلة عن هذا الأمر، أو إنني إنما اتبعت شرك آبائي وأجدادي.
ولكن هل اكتفى الله تَعَالَى من الأعذار لبني آدم بهذا الإقرار؟ وهل يحاسبهم يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مجرد هذا الإقرار؟ "لا"؛ لأن الله أعذر بغير هذا الإقرار، وهم: الرسل. رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل [النساء:165] .
لهذا لا يكون السؤال يَوْمَ القِيَامَةِ عن الإقرار، وإنما يكون مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص:65] فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف:6] فالله يسئل الرسل: ماذا أُجبتم؟ ويسأل المرسل إليهم: ماذا أجبتم المرسلين؟ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي [الأنعام:130] ويقول: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ [الملك:8] فيقررهم الله تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى إرسال الرسل وكفرهم بهم، وليس عَلَى مجرد الإقرار، وهذا فضل منه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وقطع للحجة لكي لا يبقى بعد ذلك عذر لأحد.