ولذلك استدل المُصْنِّف في الرد عَلَى قول المعتزلة بأن الهدى لو كَانَ هو بيان الطريق لما قال الله لنبيه: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص:56] لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بين الطريق فالبيان والإرشاد حصل منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن هداية التوفيق والامتثال والتفضل ليست من عنده كما قال الله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56] وقد قال له وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52] أي: إنك تبين الطريق المستقيم وتدعو إليه وتوضحه للناس، أما قوله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص:56] أي: إنك لا توفق من تشاء ليكون مؤمناً.
وهذه الآية نزلت في عمه أبي طالب لما حرص النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخذ يُلح عليه أن يسلم، ويقول له: (يا عمِ قل كلمة أحاجُّ لك بها عند الله) ففاضت روح عمه وهو يقول إنه عَلَى ملة عبد المطلب، فرَسُول الله يُلح عليه وهو يعلم صدقه، ولا يوجد أحد من الْمُشْرِكِينَ أعلم بصدق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منأبي طالب، ولذلك حماه وأواه وحوصر معه في الشعب في سبيل نصرته النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولو كَانَ كاذباً لما تحمل هذا الأذى كله من أجله، ولكنه يعلم أنه صادق لكن مع ذلك كله لم يؤمن به فالمسالة مسألة هداية وتوفيق من الله وليست بالرأي ولا بالعقل ولا ببيان الحجج فعلينا أن نسأل الله دائماً الهدية والتوفيق كما جَاءَ في سورة الفاتحة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] .