فإن قيل ما الفرق بين تضعيف أحد علماء الحديث لحديث وبين رد أحد آخر غيره؟ نقول: الذي ليس من علماء الحديث؛ بل من المتكلمين ويرد الحديث ويقول: أنا أرده بالعقل كما قال بعضهم في حديث موسى مع ملك الموت لما لطمه: لا يمكن أن يصح، ولو رواه البُخَارِيّ في صحيحه، ولا يوجد عنده أي عذر في السند أو المتن؛ وهذا الرد والاعتراض والإنكار ليس مبني عَلَى علم وبصيرة بل عَلَى هوى، فالحديث إذاً ثابت وصحيح وأما ما فعلته الجبرية والقدرية فكما قال الإمام المقبلي صاحب كتابالعلم الشامخ في تفضيل الحق عَلَى الآباء والمشايخ وهو كتاب عظيم فيه فوائد عظيمة وفيه رد عَلَى المتكلمين وعلى الصوفية كابن عربي وأمثاله، وإن كَانَ عليه بعض الملاحظات التي لا يخلوا منها بشر؛ لكنه كإنسان متحرر من التقليد يعتبر رجلاً مجدداً؛ لأنه عاش في القرن الثاني عشر الهجري، فيقول -وكلامه صحيح-: هذا الحديث قد أطال فيه الأشعرية جداً حتى كأنهم جعلوا آدم عَلَيْهِ السَّلام أشعرياً وموسى عَلَيْهِ السَّلام معتزلياً، فهَؤُلاءِ أخذوا بطرف وهَؤُلاءِ أخذوا بطرف وعجزوا عن فهم الأحاديث، حتى أن كثيراً من كتب علم الكلام وخاصة الكتب الأشعرية التي هي أكثرها انتشاراً إذا وصل مصنفوها إِلَى هذا الحديث قالوا: وهذا الحديث مشكل، فيستدلون به عَلَى مذهبهم ويردون به عَلَى المعتزلة بقول النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأخير: (فحج آدم موسى) فهم يحتجون بالقدر ويثبتونه إِلَى حد أنه جبر، لكنهم يردون به عَلَى المعتزلة فإذا رجعوا إِلَى أنفسهم قالوا هذا الحديث مشكل، ومعناه غير مفهوم لنا؛ لكنهم لا يرضون أن يحتج به المعتزلة أما المعتزلة والقدرية فإنهم ينكرون الحديث.

سبب ردّ القدرية حديث محاجة آدم وموسى عليهما السلام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015